أفاد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، بأن “إسرائيل” لم تلتزم بقرار محكمة العدل الدولية طوال فترة الشهرين التاليين لإصداره، واستمرت في تنفيذ جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي، في ظل غياب لأي مساءلة حقيقية على جرائمها، واستمرار الفشل الدولي في حماية الشعب الفلسطيني.
جاء ذلك في تقرير أصدره الأورومتوسطي، يوم الإثنين، بعنوان “شهران على قرار محكمة العدل الدولية حول غزة: إمعان في الإبادة الجماعية وغياب للمساءلة”، قدم من خلاله ما وثقه من أدلة وشهادات حول مواصلة “إسرائيل” ارتكاب مختلف أشكال جريمة الإبادة الجماعية في غزة، ومقارنتها بما ورد في التدابير التحفظية الستة التي حكمت بها محكمة العدل الدولية.
وأوضح المرصد الحقوقي، أن قرار محكمة العدل الدولية الصادر في 26 يناير، والذي ألزم “إسرائيل” باتخاذ تدابير تحفظية محددة لمنع ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة، جاء بعد أن وجدت المحكمة أساسًا معقولاً للاعتقاد بأن الأفعال التي ترتكبها “إسرائيل” في القطاع منذ السابع من أكتوبر الماضي، من المحتمل فعلاً أن تصل إلى حد ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، وفقًا للتعريف الوارد في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.
ولفت التقرير إلى أن “إسرائيل” لم تلتزم أبدًا بقرار محكمة العدل الدولية، وقامت بانتهاك غالبية التدابير التحفظية الواردة فيه، واستمرت في تنفيذها لجريمة الإبادة الجماعية بذات الوتيرة التي سبقت القرار، من خلال ارتكاب شتى أشكال الجرائم والإبادة بقصد إهلاك الفلسطينيين.
وأبرز الأورومتوسطي خلال التقرير، أوجه عدم التزام “إسرائيل” بمختلف التدابير التحفظية التي فُرضت عليها، منها التدبير الخاص بمنع أعمال الإبادة، بما في ذلك استمرار جرائم استهداف المدنيين في غزة على نحو منهجي وواسع النطاق، خاصة فيما بات يعرف بمجازر الدقيق، التي راح ضحيتها حتى 23 مارس، 563 فلسطينيًا وإصابة 1523 آخرين، شملت هذه الإحصائية المدنيين منتظري المساعدات، والعاملين والمسؤولين عن تنظيم وحماية المساعدات وتوزيعها في القطاع.
وتناول التقرير الجرائم التي استمرت “إسرائيل” بارتكابها؛ بهدف إلحاق الأذى البدني والمعنوي الجسيم بالمواطنين في غزة، خاصة الحرمان من الرعاية الصحية، والتعذيب والمعاملة اللاإنسانية، والعنف الجنسي، واستخدام الأسلحة المحظورة والعشوائية وشديدة التدمير.
كما استعرض المرصد الحقوقي، الجرائم التي لا تزال ترتكبها “إسرائيل” بهدف فرض أحوال معيشية يقصد بها التسبب عمدًا في الإهلاك المادي للمواطنين في غزة، وعلى رأسها التهجير القسري، والتجويع، وجعل القطاع مكانًا غير قابل للحياة والسكن، ومحو الهوية الفلسطينية له، وذلك من خلال التدمير المنهجي لمصادر الدخل والبنى التحتية والأعيان المدنية والممتلكات الخاصة.
وتعمد جيش الاحتلال توجيه هجمات عسكرية ضد المباني المخصصة للأغراض الدينية والتعليمية والفنية والعلمية والآثار التاريخية، والمستشفيات، وأماكن تجمع المرضى والجرحى، هذا إلى جانب استمرار الجرائم الأخرى التي ترتكبها “إسرائيل” بهدف تشتيت الأسر الفلسطينية ومنع الإنجاب لديها، وفق الأورومتوسطي.
وأشار التقرير، إلى الجرائم التي صعدّت “إسرائيل” من ارتكابها مقارنة بالفترة التي سبقت قرار المحكمة، خاصة فيما يتعلق بإدخال المساعدات الإنسانية الإغاثية، وتهديد وملاحقة المواطنين في محافظة رفح، والتي تعتبر آخر ملاذ للناجين والنازحين قسرًا في القطاع، والتي أكدت محكمة العدل الدولية في 16 فبراير، أن أي هجوم عسكري من شأنه أن يفاقم الوضع المأساوي القائم بالفعل، ويعرض حياة المدنيين للخطر.
كما كشف، دلائل عدم التزام “إسرائيل” بالتدابير التحفظية الأخرى الواردة في قرار المحكمة، كضمان التزام القوات العسكرية بعدم ارتكاب أفعال الإبادة الجماعية، ومنع ومعاقبة التحريض على الإبادة الجماعية، والحفاظ على الأدلة وعدم تدميرها.
فيما يخص التزام “إسرائيل” بتوفير المساعدات الإنسانية، أبرز التقرير كيف استخدمت “إسرائيل” التجويع كوسيلة لارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد المدنيين في القطاع على مدار 6 أشهر ماضية، وتعمدها في عرقلة وصول وتوزيع المساعدات الإنسانية، خاصة إلى سكان مدينة غزة وشمال القطاع، واستمرارها في حرمانهم من المواد التي لا غنى عنها، رغم انتشار المجاعة هناك، بحسب ما أكدته آخر التقارير الصادرة عن الجهات الدولية المختصة.
وأوضح الأورومتوسطي، أن “إسرائيل” هي من يقع على عاتقها التزام تزويد السكان بالمؤن الغذائية والإمدادات الطبية، والكساء والفراش ووسائل للإيواء وغيرها من المواد الأساسية اللازمة، رغم ذلك إلا أنها تستمر في تنفيذ جرائمها الخطيرة وانتهاك التزاماتها الدولية، معرضة حياة المدنيين في غزة لخطر المجاعة والجوع الشديد، الناتجين أصلاً عن عدوانها، وجريمة الإبادة الجماعية التي تنفذها، وحصارها غير القانوني للقطاع.
ودعا المجتمع الدولي إلى وقف كافة أشكال الدعم السياسي والمالي والعسكري لـ”إسرائيل” في عدوانها على قطاع غزة، والتوقف الفوري عن عمليات نقل الأسلحة إليها، وإلا كانت هذه الدول المصدّرة متواطئة وشريكة في الجرائم المرتكبة في غزة.
كما طالب المرصد الحقوقي، المجتمع الدولي بالاضطلاع بالتزاماته القانونية الدولية لوقف جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها “إسرائيل” ضد سكان قطاع غزة، وتفعيل أدوات الضغط الحقيقية لإجبار “إسرائيل” على التوقف عن ارتكاب جرائمها فورًا، والامتثال لقواعد القانون الدولي وقرار محكمة العدل الدولية لحماية المدنيين الفلسطينيين من خطر الإبادة الجماعية في قطاع غزة.