“جواو بيدرو ستاديلي” أحد أبرز قيادات ومؤسسي حركة “بلا أرض” البرازيلية
حوار – خاص الهدف – حاوره وطن جميل العبد – فنزويلا – كاراكاس
أجرت الهدف مقابلة خاصة مع “جواو بيدرو ستاديلي – João pedro stédile” أحد أبرز القيادات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية البرازيلية، وأحد أهم مؤسسي حركة “بلا أرض” البرازيلية.
:في البداية نبذة تعريفية
جواو بيدرو ستاديلي من مواليد 25 ديسمبر/مانون الاول 1953، اقتصادي وناشط سياسي وإجتماعي خريج اقتصاد من احدى جامعات “ريو جراندي ديل صول” في البرازيل، هو من أهم منظرين العمل الشعبي ومن مؤسسي حركة بلا أرض في البرازيل المتواجدة في 24 ولاية في البرازيل التابعة لخمسة مناطق إدارية، والتي ترعى 450 الف عائلة في البرازيل.
:مراسل الهدف
في الحديث عن اليسار في البرازيل اليوم، ما هو الموقع السياسي للرئيس لولا؟ هل يتم اعتباره يساريا أم لا؟ مع الأخذ في الاعتبار ما قاله فرري بيتو بالخصوص: “لإثبات قناعة شخص ما بفكرة، ما عليك إلا أن تعطيه السلطة، وعندما يكون في السلطة، هناك نرى بوصلته ، إن كانت قد تغيرت قناعاته أم لا؟
ما هو رأيك في لولا اليوم؟ هناك تصريحان مثيران للجدل أدلى بهما لولا ضد الرئيس مادورو والانتخابات الرئاسية في فنيزويلا والبيان الذي أدلى به في بداية أحداث 7 أكتوبر، وإدانته لحماس كمنظمة إرهابية، ثم بعد ذلك ، بدأ بتغييرمواقفه و خطابه السياسي.
:جواو بيدرو ستاديلي
لقد تعرض لولا للاضطهاد والملاحقة الأمنية في الماضي، لقد سُجن، وحُظِر عليه حق الترشيح، لكننا تمكنا من إخراجه من السجن ، حيث كانت لحركتنا دورًا مهمًا ، لأننا بقينا أيضًا طوال580 يومًا في اعتصامات مستمرة، وبقينا نخيم أمام السجن. وبعد أن خرج، كانت الظروف مهيئة في البرازيل لنشأة جبهة عريضة مكنتنا من الانتصار على الفاشية واخترناه رئيسا.
لهذا كان دور وشخصية لولا مهمًا للغاية، لأنه كان المرشح الوحيد الذي يملك القوة الكافية لهزيمة اليمين المتطرف، ومع كل هذا فزنا بفارق بنقطتين. ولكن كان من الواضح، أن ذلك تم عبر تلك الجبهة العريضة التي احتجناها لهزيمة الفاشية، لذلك فإننا شكلنا حكومة الجبهة العريضة؛ حيث توجد العديد من القوى البرجوازية على اليمين وهناك ايضا القوى اليسارية و التقدمية داخل الحكومة.
هذه هي حكومة لولا ، إنها حكومة ذات تشكيلة متعددة الطبقات الاجتماعية . إضافة إلى أن هذه الحكومة تسلمت دولة ضعيفة ومتهالكة تمامًا، لأن الفاشيين الجدد يريدون الحد الأدنى من دور الدولة، فهم ليسوا مهتمين بدولة قوية ، لأن كل سياستهم هي تفضيل الشركات العابرة للحدود الوطنية، لمن كانوا رهائن؟ إنها الشركات التي مولت الانقلاب ضد ديلما ثم فرضت حكومة بولسونارو، وأيضا كانت الشركات الامريكية والشركات الاسرائيلية والموساد، هي التي وضعت ميلي في الأرجنتين.
إذن، هذه هي طبيعة حكومة لولا، لا يمكنك أن تتوقع الكثير. إضافة إلى أنه في مثل هذه الائتلافات ، تستمر الأزمة الرأسمالية وتؤثر أيضًا على البرازيل وعلى حكومة لولا ، بهذه الخصائص، لا يمكن التقدم لإمتلاك “مشروع البلد” ، وهو البرنامج الذي يمكن أن يشير إلى مستقبل ، على الرغم من تأخر إنجازه قليلا.
لذلك، فإن السياسات التي تروج لها حكومة لولا وتحاول تطبيقها في ذلك العام ونصف لا تزال رهن السياسات الملطفة والسطحية التي لا تتمكن من إخراج العمال من الفقر بعد ، ولا تزال بعيدة عن محاربة عدم المساواة الاجتماعية ، ولهذا السبب فأن الوضع نستمر مع بقاء 30 مليون جائع ومع وجود 70 مليون أخر ليس لديهم عمل ثابت أو دخل ثابت أو حقوق العمل. لذلك ، فإن المرحلة في البرازيل صعبة للغاية.
هذه هي شخصية لولا التي يعرفها الجميع. الآن، من موقعنا، في اليسار، لدينا أيضًا وضع معقد للغاية في البرازيل. اليسار المؤسسي الذي تشارك فيه الأحزاب والذي يشارك حتى في حكومة لولا، مختطف فقط بالمنطق الانتخابي، هم فقط يضعون طاقاتهم في انتخاب النواب، في هذه الحياة المؤسسية.
لقد تخلت الأحزاب اليسارية في البرازيل عن الطاقات والموارد والإرادة السياسية لتنظيم الطبقة العاملة وتنظيم النضال الاجتماعي. بل إن الحركات الشعبية، والحركة النقابية، التي هي أيضا جزء من اليسار بالمعنى العام، ولكنها ليست القوى السياسية الرئيسية في البلاد، هي التي تواصل القيام بذلك، للأسف الشديد.
هنا التحدي الرئيسي، وهو أننا منذ أن عانينا من هزيمة كبيرة جدًا مع ظهور أزمة الرأسمالية في عام 2014، ثم سجن لولا، والانقلاب على ديلما، وصعود بولسونارو، والإبادة الجماعية الناتجة عن جائحة فيروس الكوفيد، التي تسببت في ضحايا قتلى لما يقرب من مليون برازيلي؛ كل ذلك أثر على الطبقة العاملة.
ونحن اليوم في فترة تاريخية من تراجع الحركة الجماهيرية، وهذا يؤثر علينا، لأنه عندما لا تناضل الجماهير، لا يحدث أي تغيير في ميزان وعلاقات القوى السياسية.
لذا، فإن موقفنا كحركة، أكثر من أي شيء آخر، هو أن نضع طاقاتنا في تعبئة الشعب، في تنظيم النضال الاجتماعي، بحيث تصبح تلك العملية تراكم دائم للقوى، مما يؤدي على المدى المتوسط إلى إحياء الحركة، وهو الشيء الوحيد الذي يمكن أن يطرح نقاش “مشروع بلد”، ويشد الحكومة إلى اليسار، وفي الواقع يسرع عمليات التغيير التي تؤدي إلى تحسين الظروف المعيشية للشعب.
:مراسل الهدف
فيما يخص “إعداد شعب”، أي بمعنى… إذا تركنا مفهوم الجماهير، الفرق بين الجماهير والشعب، في البرازيل هل هناك جماهير أكثر من الشعب؟
:جواو بيدرو ستيديلي
في البرازيل لدينا، من بين المجموع الكلي للسكان/ للشعب، حوالي 140 مليون عامل، نصفهم لديهم عمل، وهم منظمون بالحد الأدنى في نقابة أو بشكل على الأقل في إطار عمل، ولديهم حقوق. لكن هناك 70 مليوناً آخرين يعملوا في الشوارع، مهجورون، ليس لديهم عمل دائم، وليس لديهم دخل ثابت، وهذه الكثرة مهجورة حتى من قبل اليسار، لا نعرف كيف ننظمهم، الشيء الوحيد الذي نعرفه هو أنهم يعيشون في ضواحي المدينة، وأن معظمهم من الشباب، وأن معظمهم من النساء، وأن معظمهم من السود، وأنهم يعانون من كل أنواع القمع من الدولة هنا في البرازيل. وبالتالي وبالطبع، لدينا عجز كبير جدًا في قطاع الشعب المنظم والذي لديه وعي طبقي صغير جدًا. على سبيل المثال، حتى من بين ال 70 مليون شخص عامل لديهم وظائف ومنظمين بشكل رسمي، فإن 9% فقط منهم ، هم منخرطون في النقابات. قد يصل العدد إلى 100 مليون، ولكن 9% فقط هم منخرطون في نقابات، وهذا يعني أن مستوى الوعي النقابي منخفض، وبالتالي مستوى المشاركة السياسية منخفض.
مراسل الهدف:
حسنًا، لننتقل إلى أمريكا اللاتينية، اليسار في أمريكا اللاتينية اليوم، كيف هو وضعه بشكل عام؟ وهل تعتقد أنه، ليس فقط فيما يتعلق بالشؤون الداخلية لأمريكا اللاتينية، ولكن أيضاً فيما يتعلق بشؤون القارات الأخرى، في أوروبا وفي الشرق الأوسط ، هل تعتقد أنهم في اليسار بحاجة إلى نوع من التجذير في مواقفهم؟
جواو بيدرو ستيديلي:
لفهم الوضع في أمريكا اللاتينية، علينا أن نلقي نظرة تاريخية أوسع، عندما كانت هناك أزمة الاتحاد السوفيتي وتصاعد ونمو رأس المال البنكي والمالي الذي عولم وفرض علينا الليبرالية الجديدة، في التسعينيات، أدى ذلك إلى تشتت كامل لليسار وللظروف المعيشية للطبقة العاملة. لقد خسرنا بين 10 أو 15 سنة هناك، حيث كنا في حالة هزيمة دائمة. لكن النيوليبرالية الجديدة لم تحل مشاكل الناس والطبقة العاملة، وزادت المشاكل من حدة التناقضات. كل ذلك مهد وساعد على إحداث تغيير، ففي بداية عام 2000، الذي بدأ مع فوز شافيز في فنزويلا، وتمكنا من الفوز في الانتخابات في العديد من البلدان، حيث فازت هناك الحكومات التقدمية، ولم يكن ذلك نتيجة صعود الحركة الجماهيرية، بل كان رد فعل ضد الليبرالية الجديدة.
لكنه صحيح أيضا، أنه في الفترة من عام 2000 إلى عام 2014 ، كانت هناك مواجهة أيديولوجية كبيرة في أمريكا اللاتينية والتي ولدت تناقضات وصراعات داخلية ظهرت في الحكومات وفي اليسار حول ثلاثة مشاريع، كان هناك المشروع النيوليبرالي التابع لإمبراطورية أمريكا، حيث كانت هناك بعض البلدان بحكوماتها التي كانت بقيادة اليسار، ثم كان هناك قطاع آخر تقدميًا، كان ضد النيوليبرالية، وبالتالي كانوا يؤيدون تقوية الدولة، لكنهم لم يكونوا ضد الإمبريالية. في تلك الفترة، كانت البلدان التي برزت بهذا الخط هي الأرجنتين والبرازيل وقليلًا المكسيك، عندما فاز أوبرادور، وكان هناك مشروع ثالث، وهو المشروع الذي روّج له شافيز، والذي كان مشروعًا روّج له شافيز، والذي كان من أجل مواجهة مشروع الإمبريالية، مشروع الليبرالية الجديدة، وهو مشروع ”ألكا“، وقد أعطاه بعد ذلك لقب مشروع “ألبا”، وتم تحويل مشروع ألبا، بقيادة شافيز من فنزويلا, فلم يقتصر الأمر على انضمام الحكومات التقدمية في بوليفيا والإكوادور وفنزويلا ونيكاراغوا وكوبا فحسب، بل نشأ تحالف كبير من الحركات الشعبية، حتى أننا أطلقنا على أنفسنا اسم حركات ألبا، وهو ما كان وسيلة للحركات الشعبية ليس فقط للانضمام إلى مشروع ألبا، بل كانوا مناضلين ضد المشروعين الاثنين الآخرين. وقد كان للألبا مضمون كمشروع مناهض للإمبريالية، وهو مشروع تكاملي بين الشعوب وليس فقط للحكومات. وكان من الإيجابي أيضًا أنه في ذلك الوقت، تهيأت الظروف لإنتاج مفاصل قارية أخرى روج لها شافيز، مثل تجمع دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي “سيلاك” ، والتي كانت مهمة جدًا كمفصل مؤسسي لمعارضة منظمة الدول الأمريكية “. وأيضًا، على مستوى أمريكا الجنوبية، كان هناك دفع نحو الجنوب كفضاء اقتصادي، ماذا حدث؟ مع ظهور الأزمة الرأسمالية منذ عام 2014، ومع أزمة النفط الفنزويلية، ومع وفاة قيادة شافيز، ومع الصعوبات الأخرى التي نشأت، فإن أمريكا اللاتينية، في الواقع، منذ عام 2014 حتى الآن، غارقة في أزمة، لم ينجح أي من المشاريع الثلاثة في أن يقدم حل ، لا الليبرالية الجديدة الامريكية هي حل للمشاكل، وأن الليبرالية الجديدة لم تعد تشكل مشروعًا، لماذا؟ لأن الشركات والمؤسسات العابرة للقوميات، والذين يواجهون أزمة الرأسمالية، لجأوا إلى الفاشيين من اليمين المتطرف، وهو ما لم يكن موجوداً في الفترة السابقة.
بعد ذلك، أصبح المشروع الإمبريالي مشروعًا أيديولوجيًا فقط على أساس القمع المسيطر عليه، الطبقة العاملة. كما دخل المشروع التنموي الجديد والتقدمي الذي كان في الأرجنتين وشيلي والبرازيل في أزمة. وهنا، كانت حكومة لولا، ومن الصعب جدًا أي تغيير يمكن أن يحدثه لولا الآن، حتى أنه خفض كثيرًا من طرحه وبرنامجه عما كان عليه في الفترة الأخرى التي حكمها. لذا، فإن نفس المشروع الذي يريد أن يكون معاديًا لليبرالية، لكنه لا يريد أن يكون معاديًا للإمبريالية، هو نفسه في أزمة. ربما لا تزال المكسيك تحتفظ ببعض الجدوى كمشروع. كما أن مشروع ألبا دخل، للأسف، في أزمة، لماذا؟ لأن البلدان لا تملك الموارد، لأنه لم ينجح في توسيع قاعدته السياسية وبقيت نفس البلدان الأربعة أو الخمسة الأصلية ولم ينضم إليها سوى جزر الكاريبي، مما يجعل مجموعها 10 بلدان، ولكن في أمريكا اللاتينية هناك 34 بلداً. لذا، فإن مشروع ألبا هو أيضًا في فترة تراجع، وكل هذا التحليل الذي أقوم به يقودنا إلى قراءة الواقع، بما أنه لا يوجد حل اقتصادي ولا يوجد مشروع اقتصادي واضح، لا للبرجوازية التابعة للأمريكان، ولا لبيت العمال، ما نعرفه هو أن أمريكا اللاتينية ستستمر، ربما لمدة 10 أو 15 عامًا، بفترة تاريخية من عدم الاستقرار السياسي الكبير، حيث يمكن أن يحدث كل شيء في فضاء الحكومات ولهذا السبب في بعض الأحيان تنتخب حكومة تقدمية، ولأنها لا تضع سياسات في صالح الشعب، يأتي اليمين المتطرف، كما حدث في البرازيل، وكما حدث في الأرجنتين، وكما حدث في بيرو، وكما حدث في الإكوادور. واليسار، كما كنت أخبركم عن البرازيل، أعتقد أن سيناريو اليسار في أمريكا اللاتينية يتبع نفس النمط تقريبًا كما حدث في البرازيل. فاليسار في أمريكا اللاتينية ضعيف جداً من حيث برنامجه لمواجهة الأزمة الرأسمالية، لأن الوقت قد حان لتقديم برنامج مناهض للرأسمالية. لا يهم إن كان البرنامج اشتراكياً أو شعبياً…، ولكن يجب أن يكون معادياً للرأسمالية، فالرأسمالية لن تحل مشكلة الجماهير، واليسار في أمريكا اللاتينية، مع استثناءات نادرة لبعض الأحزاب، أعني اليسار كقوة شعبية تنظم نفسها بأشكال مختلفة، مديون ببرنامج يواجه الأزمة الرأسمالية، ويقترح تغييرات هيكلية للجماهير.
اليسار مدين بمعنى اكتشاف أشكال جديدة من النضال، وأشكال جديدة لتنظيم الناس، وخاصة في هذين القطاعين اللذين ذكرتهما من قبل، عمال الأطراف والشباب. لذا، لا يزال اليسار عالقًا إلى حد كبير مع المؤسسية، مع الانتخابات، وقد يستغرق ذلك بعض الوقت حتى تحرك وتغيير التعبئة الجماهيرية، التي تعيد تشكيلها من الحركة الجماهيرية، وتحرك اليسار أيضًا ويبرز جيل جديد من اليسار، من المناضلين بممارسات وتطبيقات أخرى، برؤية أخرى للعالم وبروح جديدة.
مراسل الهدف:
وهنا حول دور المثقفون، نخبة المثقفين والصحفيين والمفكرين والفلاسفة من أصحاب الفكر الماركسي ال لينين يني، الذين في كثير من المواقف، في كثير من الأحداث، خطابهم ضعيف أو أقل من المتوقع، ما هو دورهم في هذه الأزمة، في إعطاء التشخيص أو في إعطاء ما يجب القيام به؟
جواو بيدرو ستيديلي:
مشكلة المثقفين في أمريكا اللاتينية، بشكل عام، هي أن هذا القطاع، الذي هو في الواقع برجوازي صغير، يعيش حول الجامعة، حول الإعلام أو حول النظام المؤسساتي، تم استلابه من قبل الليبرالية الجديدة، ليس كأيديولوجية، كمشروع، ولكن هناك قامت الليبرالية الجديدة بضم وإلحاق هذه المجموعة من المثقفين من خلال الاستفادة من عاداتهم وإستخدامها لهم. لقد أصبحوا فرديين جداً، لا يفكرون إلا في حياتهم المهنية، استهلاكيين جداً وتخلوا عن الممارسة السياسية الاجتماعية، لكن هذا صحيح، هناك العديد من المثقفين الشجعان الذين لا يزالون ملتزمون وبالتالي يعكسون أساس المنظمات اليسارية والطبقة العاملة بشكل عام، لكنهم أقلية. أسوأ بكثير مما كان عليه الحال في بعض الأوقات الأخرى التي كان فيها حضور المثقفين الملتزمين أكثر أهمية، فاليوم لا يكاد يكون لدينا مثقفونملتزمون، لدينا مثقفون فقط دون إلتزام بالقضايا.
لإنهم كانوا مستلبين في ممارستهم للحياة. ولهذا السبب أيضًا لا يجب أن نتوقع منهم التأملات التي تؤدي إلى التغيير، فهم لم يعودوا يريدون التغيير، والمثقفون الملتزمون الذين يريدون التغيير هم أقلية جداً، ولكن صحيح أن العديد منهم قدموا تأملاتهم حتى تتمكن المنظمات من مناقشة التغييرات الضرورية.
مراسل الهدف:
القضية الفلسطينية، أنت تنتمي لمنظمة تشترك كثيراً مع القضية الفلسطينية، أنا أؤمن دائماً بالتلاحم الأممي أو التلاحم الاشتراكي، نحن نشترك في الكثير من المثل العليا، والكثير من المعاناة من العدو المشترك، في كلا المنطقتين، رغم الاختلاف الجغرافي، هناك شعوب أصلية تملك الأرض. يتم التعبير عن ذلك من خلال الممارسة الاجتماعية، الممارسة الثورية التي يقومون بها.
كيف برأيك، يمكن أن نقوي ونعزز من هذه العلاقات النضالية، من حيث الروح النضالية، من حيث التضامن والعلاقات الأممية؟ مع الأخذ بعين الاعتبار أن القضية الفلسطينية على سبيل المثال، عندما نكرر شعار: حرروا فلسطين، حرروا العالم، عندما نقول اليوم العالمي، يوم الأرض الفلسطيني يجب أن يكون يوم الأرض الفلسطيني يوم أرض عالمي، لأننا إذا حررنا متر مربع واحد من الأرض الفلسطينية، وهي أرض الشعب الأصلي، نحرر أيضاً متر مربع واحد من الشعب الأصلي في البرازيل ونعطيه حقه، والعكس صحيح.
جواو بيدرو ستيديلي:
لقد نشأت حركتنا في فترة تاريخية هي فترة إحياء الحركة الثورية في البرازيل، والتي حدثت بطريقة معينة في أمريكا اللاتينية أيضًا. وتم تثبيت هويتنا أيديولوجيًا بتأثير الثورة الكوبية وقادتها ومفكريها، وبتأثير ثورة نيكاراغوا التي كانت ثورة 79، لذلك كان لها تأثير كبير على النضال في أمريكا اللاتينية كلها. وأيضًا في ذلك الوقت كان هناك التأثير الإيديولوجي للاهوت التحرير، وهو ذلك الجانب المسيحي الذي ربط بين العقيدة والإيمان الذي كان لدى الفلاحين من خلال ممارستهم الدينية، مثل أي شعب آخر، لكنه ربط إيمانهم بضرورة التحر وكان ذلك مهماً، وتلك التيارات التي أستشهد بها، سواء من المفكرين الكلاسيكيين، أو من قادة مثل فيديل وتشي أو من العمليات الثورية في كوبا ونيكاراغوا، ساعدتنا على أن ندمج منذ ولادة الحركة، مفهوم أنه لا يمكن النضال ضد الرأسمالية و ضد الاقطاعيين وضد النظام الأبوي وضد الاستعمار بدون أممية.
إذن، الأممية بالنسبة لنا هي مبدأ، فهي ليست فقط الدافع لإظهار التضامن مع الناس الذين يناضلون، بل هي أكثر من ذلك، إنها هوية. كل الطبقة العاملة في العالم هي نفسها، نحن نغير فقط جواز السفر، وأعداؤنا هم نفس الأعداء، أي الرأسمالية. وفي زمن عولمة رأس المال، الذي يأتي من خلال الدولار، من خلال الشركات العابرة للقوميات، من خلال رأس المال المالي، لن تتمكن الطبقة العاملة في العالم كله من تحرير نفسها إذا لم نتحد لمواجهة نفس العدو. ولهذا السبب نحن دائما، منذ بداية الحركة، لدينا هذه الهوية مع فلسطين، مع شعب فلسطين، لأنه في الخندق الأول ضد الاستعمار الصهيوني، ضد الاستغلال الرأسمالي، ولأنه بطريقة ما، يقاتل ويناضل من أجل الأرض من أجل أراضيه الاصلية، وهذا يعطينا أيضًا هوية كما نقول، أو هوية طبقية، مثل، الذين فقدوا ارضهم في الشرق الأوسط إنهم الفلسطينيون، ونحن في البرازيل، الذين لا أرض لهم، هم فلسطينيو البرازيل، لأن الوضع واحد.
نحن نناضل من أجل الأرض، من أجل الحقوق، من أجل الحكم الذاتي الشعبي، لذلك كان لدينا دائمًا هذا التعاطف مع نضال الشعب الفلسطيني، وكنا دائمًا، بطريقة ما، نحاول التواصل، وهو أكثر من مجرد الدعم والتضامن، للتواصل. لذا، حاولنا دائمًا كـ”م.ت.ف“ أن نضمن مشاركة المنظمتين الموجودتين في فلسطين، اللتين تضمان أشخاصًا من الريف، سواء أكانوا نساءً أو فلاحين، في طريق الفلاحين، وهو ما يمثل تعبيرنا الدولي. كان هناك الكثير من المقاومة في وقت من الأوقات من منظمات في أوروبا، لا أعرف من أين، ولكن في النهاية تمكنا من إقناع المنظمتين بالانضمام. لطالما شجعنا مناضلينا على المشاركة في ألوية للذهاب لقطف الزيتون في تشرين الأول/ أكتوبر في فلسطين. ثم، كان علينا أن نقوم بحملة لأن التذكرة كانت باهظة الثمن، لا أعرف ماذا، ولكننا تمكنا من ذلك كل عامين نرسل دائمًا 20 أو 30 شخصًا، ولكن هذا ما يتم هو درس لنا.
نحن لا نذهب إلى هناك لقطف الزيتون، بل نذهب إلى هناك لنرى كيف تتصرف الحكومة الإسرائيلية، نذهب إلى هناك ونرى نضال الفلسطينيين اليومي من أجل مقاومتهم، وكل شخص عاد كان بمثابة شخص آخر، وكأنه قد أخذ دورة تدريبية سياسية وشخصية عظيمة في التدريب والالتزام السياسي والشخصي تجاه الشعب الفلسطيني. ولذلك كلما اشتد الصراع هناك في فلسطين نحاول أن نقوم بشيء يمكن أن يرمز أو يكون شاهداً على وفائنا وإخلاصنا وتضامننا مع الشعب الفلسطيني.
ولكنه الأمر كذلك مع جميع الشعوب، نحن معنيون جداً مثلاً الآن في أمريكا اللاتينية ونقول: فلسطيننا، غزتنا، أكثر من فلسطين، هي هايتي، لأن نفس الهمجية التي تُفرض في غزة تُفرض في هايتي. تمامًا كما نحاول أن ندين في البرازيل ما تعنيه اليد القمعية للحكومة الإسرائيلية، لأنهم يواصلون بيع الأسلحة، وخاصة أسلحة القمع الجماعي، التي يجربونها على الفلسطينيين ثم يأخذونها إلى أطراف البرازيل لضرب الفقراء.
:نقل عن