على طرفي ممر في حديقة بالقرب من جامعة غرناطة ترفرف الأعلام الفلسطينية وتقف حارساً على خيام الطلاب الذين اختاروا الاعتصام والنضال طريقاً لفرض مطالبهم على الجامعة لوقف العلاقات مع المؤسسات التابعة للكيان الصهيوني. وهذا تجسيد آخر لشعار “الأندلس مع فلسطين” في مدينة غرناطة التي لم يتوقف فيها الحراك منذ السابع من أكتوبر وحتى هذه اللحظة، حيث كانت المدينة مسرحاً للمظاهرات، ومنبراً للمحاضرات والفعاليات التضامنية الثقافية التي تُبرز فلسطين كاملةً أرضاً وشعباً.
بدء الاعتصام بتاريخ 9 أيار 2024، في حديقة Paseillos Universitarios بالقرب من كلية الهندسة في جامعة غرناطة. بضعة خيام وسرعان ما تزايدت أعداد المشتركين الملتزمين بالقضية الفلسطينية، والمتضامنين مع الشعب الفلسطيني. ويقوم الاعتصام على مطلب أساسي وهو قطع العلاقات مع المؤسسات الصهيونية. ويتخلل الاعتصام فعاليات تضامنية مع الشعب الفلسطيني على المستويات السياسية والثقافية، حيث تتضمن الفعاليات تعريفاً بالثقافة الفلسطينية، ومحاضرات عن تاريخ فلسطين والأوضاع السياسية الراهنة، لا سيّما مجريات الإبادة الجماعية في قطاع غزة
:أصوات من الاعتصام
حول الدوافع لتلك المبادرة، تقول إحدى المبادرات والناشطات في الاعتصام، “منذ السابع من أكتوبر تؤلمنا قلوبنا على ما يحدث في غزة، ومنذ ذلك اليوم بدء التفكير بكيفية التضامن مع الشعب الفلسطيني، وهذا أقل ما يُمكن فعله”. ويأتي هذا الاعتصام بالتزامن مع الحراك الطلابي في أنحاء العالم دعماً للقضية الفلسطينية واحتجاجاً على الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني في قطاع غزة. وفي هذا السياق، يذكر أحد المتطوعين في الاعتصام، بأن “هذا الحراك يُمثل نضال جماعي ضد الظلم الذي يُعاني منه الشعب الفلسطيني
فيما يتعلق بتجاوب إدارة جامعة غرناطة حول المطالب التي قدمها المعتصمين تقول ممثلة “جبهة الطلاب” – حركة طلابية ناشطة في جامعة غرناطة- بإن الجامعة تدرس إمكانية وقف العمل باتفاقيات مع مؤسسات وبرامج أكاديمية تابع للكيان الصهيوني، ولكن تبقى مشكلة تتعلق بالاتفاقيات التي يُمثل فيها الإتحاد الأوروبي والتي قد لا تخضع لإجراءات التوقيف. وأضافت ممثلة جبهة الطلاب بأن أحد المطالب كان يتعلق بمراجعة لغة الخطاب التي تنتهجها إدارة الجامعة حيال الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني في قطاع غزة
وفي هذا السياق يضيف ممثل حركة “الجمعية الطلابية من أجل فلسطين” بأنّ المطالب تتمثل بقطع العلاقات الأكاديمية والاقتصادية بشكل كامل بين جامعة غرناطة والجامعات والمؤسسات الإسرائيلية المتواطئة مع الصهيونية، وتحديداً مع جامعات “تل أبيب، وبار إيلان، والجامعة العبرية، وبن غوريون، وهرتسليا، ومعهد التخنيون ووزارة الصحة الإسرائيلية”، والتي تُمثل ركائز للمشروع الصهيوني
حول الأيام التي يقضيها الطلاب في الاعتصام والفعاليات التي يقومون بها، يقول أحد الناشطين الفلسطينيين أنّ الحوارات والنقاشات التي تجري حول القضية الفلسطينية تأخذ أهمية كبيرة من حيث التعريف بأصل القضية والتي تتمثل بالنكبة وتهجير الفلسطينيين والحفاظ على حق العودة. كما يُمثل الاعتصام مساحةً للتعريف بحياة الفلسطيني اليومية القائمة على النضال والصمود اليومي في وجه الكيان الصهيوني ومشورعه الاستعماري الإحلالي.
الاتفاقيات والبرامج التي تدور المطالب حول وقفها:
دار النقاش حول وقف عدد من البرامج والاتفاقيات، منها سجلت اتفاقية تعاون مع ” تل أبيب” وكان قد تمّ توقيعها أثناء الإبادة الجماعية، بتاريخ 25 يناير 2024، واتفاقية أخرى يدور الحديث عنها مع “جامعة بار ايلان”. بالإضافة إلى ذلك، تشارك جامعة غرناطة في مشاريع البحث التي لديها بين شركائها مع وزارة الصحة في الكيان الصهيوني ،ومشاريع مع “جامعة بن غوريون” و”معهد التخنيون”
وبالنسبة لهذا الأخير من الجدير بالذكر، أنه معهد يساهم في تطوير طراز روبوتي لجرافة آلية (D9) والتي تُستخدم على نطاق واسع في هدم وتدمير المباني في قطاع غزة، وتطوير جهاز “الثعبان الروبوتي” المخصص للقتال بين الأنقاض والفضاءات الضيقة، ومجموعة كبيرة أُخرى من الوسائل القتالية المختلفة. كما يُساهم بتقديم دورة تأهيل لتجار الأسلحة، وذلك حتى لا تتخلى المؤسسة الأكاديمية عن ضباط جيش الاحتلال بعد تسريحهم من الخدمة
ومن الضروري بمكان الإشارة إلى لمساهمة المبكرة للأوساط الأكاديمية الصهيونية في المشروع الاستعماري الاستيطاني، حتى قبل النكبة عام 1948، قامت الحركة الصهيونية بتأسيس ثلاث جامعات، كان الهدف منها تعزيز المشروع الاستيطاني. ففي عام 1918، أنشئت “الجامعة العبرية” كمركز لتشكيل هوية صهيونية عنصرية. وعلى نحو مماثل تمّ إنشاء “معهد التخنيون” في مدينة حيفا المُحتلة لتعزيز التطور العلمي والتكنولوجي للكيان الصهيوني
وكان تطور التعليم العالي في الكيان الصهيوني مُرتبط بظهور الصناعات العسكرية . وقد قاما شركتا “رافائيل” و”إسرائيل لصناعات الطيران والفضاء”، وهما من أكبر منتجي الأسلحة في الكيان الصهيوني، بفضل البنية التحتية التي وضعها “معهد وايزمان” و”التخنيون”. ولا يقتصر الأمر على المستوى العسكري، حيث تعمل المؤسسات الأكاديمية الصهيونية على توفير غطاء “قانوني وأخلاقي” ومبررات لجرائم الاحتلال تقوم بكاملها على مُغالطات، الهدف منها محو الهوية الفلسطينية وتعزيز المشروع الاستيطاني والترويج له
:تحقيق المطالب بعد 9 أيام من الاعتصام
في اجتماع مجلس إدارة جامعة غرناطة يوم الجامعة الموافق 17/5/2024، وبالتزامن مع تواجد الطُلاب وغيرهم من الداعمين للقضية الفلسطينية والمُطالبين بقطع العلاقات مع جامعات الاحتلال، تقرر قطع العلاقات وفق التفاصيل التالية
تعليق تنقل الطلاب والأساتذة والباحثين والفنيين والإداريين وموظفي الخدمات القادمين والمغادرين مع الجامعات “الإسرائيلية”، وتحديدًا اتفاقيات التنقل الثنائي إيراسموس+ K171
تعليق الاتفاقيات التعليمية والدورات الصيفية الموقعة مع “جامعة بار إيلان وجامعة تل أبيب”
عدم توقيع اتفاقيات جديدة أو المشاركة في مشاريع تعاون أكاديمي دولي جديدة مع “الجامعات الإسرائيلية.”
تعزيز العلاقات مع الجامعات الفلسطينية والتعاون مع المنظمات غير الحكومية التي تعمل على الأرض لمساعدة واستقبال الطلاب والباحثين والأساتذة الفلسطينيين. وكذلك الطلاب والباحثين والأساتذة الذين تعرضوا للانتقام، بغض النظر عن جنسيتهم، بسبب معارضتهم للمجزرة
تعليق التعاون العلمي والتقني مع المؤسسات الإسرائيلية ضمن اتحادات البحث التي تروجها المفوضية الأوروبية والتي تشارك فيها جامعة غرناطة ويشارك فيها على الأقل شريك إسرائيلي الأصل: PARC وNabiheal وIRISCC وNanoPaInt وINTENSE؛ وهي اتحادات تضم 200 و14 و53 و12 و16 شريكاً على التوالي. سيتم تحديدًا تجنب استغلال البنى التحتية العلمية لجامعة غرناطة من قبل الباحثين من تلك المؤسسات، وتعليق إقامات البحث القادمة والمغادرة
عدم المشاركة في اتفاقيات أو مشاريع بحثية جديدة بالتعاون مع الجامعات أو المنظمات أو المؤسسات الإسرائيلية
هذه القرارات استقبلها المعتصمين أمام مكان الاجتماع برفع الأعلام الفلسطينية والهتاف بجدوى النضال والمقاومة، بالهتاف القائل. “من النهر إلى البحر، فلسطين ستنتصر”، مؤكدين أنّ هذا انتصار للإنسانية والكرامة، ودعماً للشعب الفلسطيني وصموده وإرادته التي لا تنكسر. كما يأتي هذا الانتصار بفضل صمود ونضال المناصرين للقضية الفلسطينية في غرناطة، ممثلين بالحركات الطلابية والأحزاب السياسية والنقابات العمالية والأفراد الذين اختاروا النضال طريقاً لتحقيق مطالبهم
بهاء غسان
غرناطة، السبت، 18 أيار، 2024