العودة والحنين الى الوطن ما انفك يساور تفكير ووجدان اللاجئين الفلسطينيين ، عبروا عن ذلك من خلال تمسكهم بالأرض والاحتفاظ بمفاتيح العودة والكواشين .
وعاش حلم العودة في وجدان الشعب الفلسطيني على مدار الصراع الدامي مع المشروع الصهيوني.
من خلال تمسكهم بالتراث والفلكلور و بالأغاني والأهازيج الوطنية دبكتهم الشعبية،
بحفاظها على التقاليد والأمثال الشعبية ومنها المأكولات الشعبية الفلسطينية.
توارثت الأجيال الفلسطينية ذلك ولعبت الجبهة الثقافية دورا” في مواجهة عسف وتكتيكات المستوى السياسي الرسمي.
كان للمثقفين الثوريين الذين كتبوا بالدم لفلسطين دور هام في مواجهة محاولات المساومة والتفريط بالحلم والحق الفلسطيني خلال العقود السابقة.
لقد ساهمت أوسلو باتفاقها السياسية والاقتصادية والأمنية دور في إضعاف الرواية والرؤية الوطنية من خلال تجزئة الحل والمغامرة والتفريط بالحقوق الوطنية ،التي وصلت إلى سراب وطريق مسدود.
فكانت الرواية والسردية الفلسطينية حاضرة وعصية على النسيان رغم محاولات تغييبها أو إضعافها.

طوفان الأقصى واحرار العالم والاحتجاجات الطلابية جدد الأمل والتفاؤل بحتمية تاريخية لنضال وانتصار شعبنا.
واعاد الاعتبار والمصداقية للرواية وللحق الفلسطيني في أذهان العالم.
أريد للنكبة الفلسطينية الكبرى عام 1948 أن تتأبد وان يطويها النسيان.
بإحلال نموذج الهنود الحمر في امريكا الذين قاوموا لأربعة قرون وانتهت بإبادتهم.
وكانت المعركه الفاصلة مذبحة (الركبه الجريحة عام 1890) التي انتهت بمصير مواطنين الهنود الحمر الذين كانوا يعيشون في البراري جراء حرب المواجهه مع الاستعمار الانغلوسكسوني للبيض.
حيث عمل الإحتلال الأمريكي على تغيير التركيبة السكانية والهوية الثقافية لأمريكا الجنوبية.
فالشبه التاريخي قائم بين الاحتلالين الانجلو سكسوني للبيض بحق الهنود الحمر.
وبين ما جرى ويجري في فلسطين على يد جيش الاحتلال ومستوطنيه من ممارسات عنصرية.
الاستعمارين اللذان مارسا التطهير العرقي بحق الهنود الحمر والفلسطينيين .
سعى نظام الابرتهايد العنصري الكولونيالي الاستيطاني الصهيوني في فلسطين على تجسيد مقولته:
شعب بلا أرض .
أرض بلا شعب .
مستفيدين من اختلال موازين القوى العالمي في حينه لصالح المجمع الاستيطاني الصهيوني المصطنع.
جراء ذلك اعتمدت الرواية الصهيونية المزورة في الأمم المتحدة بقرار أممي أدى للاعتراف “باسرائيل” و بقبولها بالأمم المتحدة شريط تنفيذها للقرارين ١٨١ والقرار ١٩٤.
واللذان لم ينفذ حتى الآن رغم إجحاف هما بالحقوق الوطنية الفلسطينية .
لقد أنتجت النكبة عام ١٩٤٨ التغريبة الفلسطينية الممتدة منذ ٧٦ عاما”.
وعملت الدول الاستعمارية
على دعم وتسويق الرواية الصهيونية في المحافل الدولية.
وتم دعم إسرائيل كوطن لليهود في فلسطين باعتبارهم ضحايا الهولوكوست الذي جرى لهم في أوروبا على أيدي تلك الشعوب الأوروبية ،
على حساب سكان الأرض الأصليين .
تم توفير كافه مقومات الدعم والحياة للكيان المصطنع كقاعدة متقدمة للمشروع الامبريالي في منطقتنا.
أصدر الحاكم العسكري والحكومة الصهيونية عشرات القرارات العنصرية ومنها مصادرة أملاك الغائب.
إضافة للسياسات العنصرية بحق الأرض والسكان ومحاولات محو الذاكرة و تغييب المعالم التاريخية.
حيث عمد الاحتلال على تغيير اسماء المدن والقرى والشوارع والسيطرة على كل شيء في فلسطين.
و وصل تزوير التاريخ الى حد سرقة الثروات و التراث والفلكلور الفلسطيني .
كما جرى تدمير أكثر من 530 قرية فلسطينية قبل النكبة وارتكاب عشرات المجازر الدموية على يد عصابات الهاغانا وشتيرن الصهيونيتين.
وجرى التهجير بالقوة لحوالي 800,000 فلسطيني الى دول الطوق، في محاولة من الكيان الغاصب الاستيطاني لتفريغ الأرض والسكان.
وعمل على عبرنة وأسرة وتهويد كل شيء في فلسطين.
رغم كل ذلك عبر الشعب الفلسطيني
عن تمسكه بأرضه وحقه بالعودة ، ودافع عن روايته الوطنية بالدم والعرق .
وحافظ على سرديته الوطنية التي لم يطويها النسيان نتيجة للمقاومة الشاملة التي خاضها الشعب الفلسطيني .
لقد عبر الشعب الفلسطيني وأبناء المخيمات واللاجئين عن دفاعهم عن الحق الفلسطيني من خلال المواجهات و الانتفاضات المتعاقبة منذ عام ١٩١٩ ثم ثورة البراق وإضراب عام ١٩٣٦ وصولا الى انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة عام ١٩٦٥.
ثم امتشاق البندقية الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الغاصب لفلسطين.
فكانت الانتفاضة الأولى والثانية وما بينهما من محاولات للتصدي لمشاريع تصفية الوجود الفلسطيني عام 1970 في الأردن ،ثم في لبنان عام 1976 مرورا بالاحتلال الإسرائيلي للبنان عام 1978 وعام 1982 محاولات محمومة لتصفية الوجود المادي والمعنوي للمؤسسات الشعب الفلسطيني وثورته في دول الطوق.
ورغم ما خلقته اتفاقيات اوسلو وملاحقها الامنية والاقتصادية من تداعيات كارثية على الوحدة الوطنيه والحقوق الوطنية.
لم يستسلم الشعب الفلسطيني وإستمر بكفاحه وتضحياته داخل الوطن وخارجي داخل المعتقلات وخارجها وفي المخيمات .
وقدم شعبنا الغالي والرخيص للدفاع عن حقوقه وحفظ وجوده وكيانه وهويته الوطنية.
واجه مخطط تدمير المخيم الشاهد على النكبه، وإنهاء دور وكالة الغوث للاجئين الفلسطينيين وما ترمز له من تعبير والتزام للمجتمع الدولي بقضية اللاجئين وتصدى شعبنا لمحاولات خلق البدائل.
كذلك لمحاولات شطب القرار 194.
مشاريع جميعها كانت تهدف الى إضعاف العامل الذاتي الوطني الفلسطيني.
كذلك تصدى شعبنا في أراضي 48 لمحاولات الفصل و الترانسفير ومصادرة الأراضي وهدم البيوت وإثارة الجريمة والفتن .

الدفاع عن الرواية الفلسطينية تعمد بالدم.

إستمر الشعب الفلسطيني في الدفاع عن روايته وسرديتة الوطنية في مواجهة الرواية الصهيونية المزورة والمصطنعة التي حاول الاحتلال فرضها بالقتل والتدمير .
لقد أسس الدكتور الراحل قسطنطين زريق لمصطلح علم وأدب النكبة.
فكانت مأساة النكبة حاضرة في عقل ووجدان الشعب الفلسطيني كما كان حاضر أدب الأرض المحتلة وأدب السجون.
لعل ما قدمه ايلان بابيه الأكاديمي اليهودي في كتابه (التطهير العرقي).
إلا دليل ملموس على الممارسة الصهيونية الدموية التي حاول ترويجها بالدم والحديد والنار والتدمير.
لقد أفشل الشعب الفلسطيني على مدار الصراع محاولات تركيعه وإستسلامه، وتحويله لهنود حمر والى كتل سكانية متناثرة ومفصولة،
شكلت ملحمة وطوفان الأقصى الضربة القاضية للسردية الصهيونية أمام العالم.
وكانت ملحمة وطوفان 7 اكتوبر عام ٢٠٢٣ لحظة الحقيقة الساطعة للرواية الوطنية وعدالة القضية الفلسطينية في مواجهة سردية وممارسات الإبادة لجيش الاحتلال..
ثماني أشهر على ملحمة الشعب الفلسطيني.
لعبت دور باعادة الاعتبار للسردية والرواية الوطنية الفلسطينية.
رغم تضليل الحكومات الغربية ودعمها لإسرائيل باعتبارهم شركاء بالعدوان على غزة.
ووصلت الحقيقة الفلسطينية الى كل أرجاء العالم منذ 7 اكتوبر .
وكانت الرد على محاولة التصفية و التهجير.
ساهم الصمود الفلسطيني بطوفان الاقصى وانتفاضة الجامعات الامريكية والأوروبية وطوفان أحرار العالم وحركات التضامن ورفع العلم الفلسطيني والشعارات والهتافات دورا” بارزا” في نصرة الحق الفلسطيني.
وهي تأكيد على سطوع فجر السردية الوطنية الفلسطينية مقابل خفوت وتراجع وافتضاح الرواية الصهيونية المزعومة.

٧٦ عاما” على النكبة.
تكشفت أكثر الجريمة المستمرة بحق الشعب الفلسطيني وحقوقه.
واثبت خيار المقاومة جدواه و كذلك التمسك بالحق الوطني الفلسطيني .
وسيكون لطوفان الأقصى مفاعيل وأهمية مستقبلية .
سيسهم طوفان العالم المؤيد لغزة المسمار الأخير في نعش الكيان الغاصب على طريق هزيمته.

يبقى تجسيد الرواية والحلم والحق الفلسطيني استحقاق كفاحي.
الكفاح الوطني في الميدان الطريق الوحيد لإعادة الاعتبار للسردية الوطنية الفلسطينية التي لم يطويها الزمن رغم عمر النكبة ومحاولات التأمر عليها.
سيبقى معول المقاومة كفيل بدفن الرواية الصهيونية.
وهزيمة مشروع الإبادة والتطهير العرقي الصهيوني في فلسطين على طريق إحلال السلم والسلام العالميين.
من أجل عالم متعدد الأقطاب
أكثر عدالة وإنسانية.

غزه معيار لانتصار الانسانية في العالم.

سيكون نجاح طوفان احرار شعوب العالم الأثر الاكبر
والطريق الأقصر المجدي لعالم إنساني بلا حدود ،
بلا حروب .
الحتمية التاريخية تؤكد أن روايتنا الوطنية ستنتصر كما انتصرت رواية الشعب الفيتنامي والجزائري وشعب جنوب افريقيا .
على طريق تحرير العالم من أنظمة العبودية والاستغلال والتطهير العرقي والإبادة الجماعية.

وديع ابو هاني
اعلامي فلسطيني

تشارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *