استطاع الشهيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، أن يقود حركة المقاومة اللبنانية ضد الاحتلال الصهيوني بشجاعة وصلابة، مسجلاً انتصارات تاريخية جعلت من حزبه قوة لا يستهان بها على مستوى المنطقة. في ظل قيادته، تحقق تحرير جنوب لبنان عام 2000 بعد 18 عاماً من الاحتلال، وبرز حزب الله كقوة مركزية في مواجهة الإمبريالية والصهيونية. وقد تجسد دوره القيادي في توجيه الضربات العسكرية ضد العدو، وفتح جبهات جديدة، كما برز خلال حرب تموز 2006 من خلال شعار “ما بعد حيفا” الذي عمّق التحدي والمواجهة. ولم يكن دعمه لمعركة “طوفان الأقصى” 2023 سوى استمرار لنهج المقاومة المفتوح الذي يقوده حزب الله منذ عقود.

تحرير جنوب لبنان:

كان تحرير جنوب لبنان في عام 2000 حدثًا محوريًا في الصراع بين لبنان والكيان الصهيوني، حيث أنهى حوالي 18 عاما من الاحتلال الاستعماري للشريط الحدودي في جنوب لبنان. وكان لحزب الله بقيادة الأمين العام حسن نصر الله دوراً أساسياً  في هذا التحرير. في 25 أيار 2000، خرج الكيان الصهيوني من جنوب لبنان، في أعقاب انهيار ميليشيات جيش لبنان الجنوبي التي كانت تتلقى دعم الكيان الصهيوني.

وكان حزب الله العامل الرئيسي في هذا الانسحاب، حيث شكلت عملياته العسكرية الدائمة والمكثفة ضغطا مستمراً على قوات الاحتلال الصهيوني. وشكل ذلك نصراً كبيراً لقيادة حزب الله التي تبنت المقاومة نهجاً استراتيجياً في رؤيتها وممارستها. وبات يُنظر لحزب الله كقوة رئيسية في لبنان وكمقاومة ناجحة ضد الاحتلال الصهيوني، وهذا أكسبه دعماً شعبياً واسعاً ليس فقط في لبنان بل في العالم العربي ككل.

منذ سقوط بغداد وحتى تموز الانتصار:

كان احتلال العراق ضمن خطوات النظام العالمي الجديد الذي سعت لها الإدارة الأمريكية والتي تتضمن فرض الرؤية الأمريكية على العالم سواء بالقوة الصلبة أو القوة الناعمة. وعلى الرغم من جرائم الاحتلال الأمريكي البشعة، إلا أنّ جيشه واجه مقاومة أدت إلى استنزاف القوات الأمريكية وفتح فصل جديد في المقاومة العربية ضد الإمبيريالية.

وفي المقابل ونظراً للتحولات الجيوسياسية في المنطقة برز تيار التطبيع بقوة وتصاعد ما أثر سلباً على القضية الفلسطينية وتراجعها على أجندة الأنظمة العربية الرسمية، لا سيّما في دول الخليج. وأمام هذا الموقف العربي الرسمي الزاحف نحو التطبيع، أخذت معادلة أخرى تتعزز في لبنان مثلها حزب الله حق تمثيل، وهي إيجاد فاصل بين الدولة والمقاومة، أثمرت عن صمود كبير وانتصارات سياسية واستراتيجية للحزب.

حيفا وما بعدها، التحدي ما بعد الصمود:
برز شعار ما بعد حيفا في خضم حرب تموز 2006، وضمن السياق العسكري أطلق حزب الله صواريخ على مدن شمال فلسطين المُحتلة، بما في ذلك مدينة حيفا. وكان صول الصواريخ إلى حيفا في حد ذاته تطوراً غير مسبوق، لأنه أظهر قدرة حزب الله على استهداف عمق الكيان الصهيوني بشكل أكبر مما كان متوقعًا في السابق، ما أظهر تطور قدرات المقاومة في لبنان.

ويحمل هذا الشعار بعداً رمزياً كبيراً في إطار الخطاب المقاوم الذي يتبناه حزب الله. عبر هذه العبارة، أراد الأمين العام نصر الله أن يؤكد على أن الحزب لا يسعى فقط للدفاع عن جنوب لبنان، بل هو مستعد لنقل المعركة إلى قلب الكيان الصهيوني. و”ما بعد حيفا” تعني أن الحزب لن يكتفي بالرد التقليدي أو المحدود، بل سيستمر في توسيع رقعة المواجهة في مناطق أخرى.

الطوفان والحساب المفتوح:

لم ينتظر الأمين العام نصر الله حتى أطلف جبهة الإسناد في عام 2023 للضغط على الكيان الصهيوني لوقف الإبادة الجماعية في فلسطين، ويأتي ذلك ضمن رؤية حزب الله الذي ير في كل مواجهة مع الاحتلال جزءًا من معركة أكبر تستهدف إنهائه أو إضعافه بشكل كبير. لذلك، دعم المقاومة الفلسطينية في معركة طوفان الأقصى يمثل استمرارًا لنهجه في السعي لتوسيع المواجهة بحيث لا تقتصر على حدود معينة، بل تمتد إلى مختلف الجبهات الممكنة.

وفي السياق ذاته عبرت جبهة الإسناد عن استعداد حزب الله لفتح جبهات متعددة مع الاحتلال في أي مواجهة. هذا المفهوم تجسد بشكل أوضح في معركة طوفان الأقصى، حيث تعززت فكرة وحدة الجبهات بين المقاومة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية (حزب الله)، وكذلك في إمكانية انضمام جبهات أخرى مثل العراق واليمن والجنوب السوري. وحتى بعد اغتيال الأمين العام حسن نصر الله تستمر جبهة الإسناد بالرغم من الخسارة الكبيرة المتمثلة باستشهاده.

رحيل المقاوم واستمرار المقاومة:

لقد ترك حسن نصر الله بصمة لا تُنسى في تاريخ المقاومة اللبنانية، حيث قاد حزب الله  بثبات في مواجهة التحديات الكبيرة. لم يكن مجرد قائد عسكري، بل كان رمزًا للأمل والإلهام لكثيرين في العالم العربي. من خلال استراتيجياته استطاع نصر الله أن يحدد ملامح المقاومة، مؤكدًا على أهمية الوحدة والتكامل بين مختلف القوى في مواجهة الاحتلال. إن إرثه سيبقى حاضراً، وستظل أفكاره وتوجهاته تعكس رؤيةً طموحة لمستقبل المقاومة، مما يجعل منه شخصية محورية في تاريخ النضال العربي ضد الاحتلال.

أسرة تحرير موقع جمهورية فلسطين

تشارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *