تشهد وكالة الأونروا اليوم استهدافاً غير مسبوق يشبه في جوهره ما تعرضت له لجنة التوفيق الدولية التي أنشأتها الأمم المتحدة لضمان عودة اللاجئين الفلسطينيين وتعويضهم، لكنها انتهت بالفشل بفعل الضغوط السياسية. يتجلى هذا الاستهداف في القرارات المتلاحقة لتقليص دور الأونروا، وآخرها قرار “الكنيست” بحظر أنشطتها في القدس الشرقية والمناطق الأخرى. هذه الهجمة الممنهجة تهدف إلى تصفية قضية اللاجئين وشطب حق العودة. لمواجهة هذا الواقع، نحن بحاجة لتحركات شعبية ودبلوماسية، حشد الدعم الدولي، تعزيز الوعي الإعلامي، وضمان التمويل المستدام للوكالة كخطوة محورية للحفاظ على حقوق اللاجئين الفلسطينيين وقضيتهم..
الدور التركي والدور التاريخي في مسألة حماية الفلسطينيين
رغم غيابها فإن لجنة التوفيق الدولية لم تلغ رسمياً، لكنها عُطلت طيلة العقود الماضية نتيجة الضغوط الإسرائيلية والأمريكية، لكنها لا تزال تصدر تقاريرها الدورية، وترفع لمناقشتها كل سنتين في مجلس الأمن والجمعية العامة، اليوم وخلال الإبادة الجماعية للفلسطينيين في غزة وتعطيل الأونروا من قبل العدو الإسرائيلي بات لزاماً إحيائها مرة أخرى. ولعل تركيا هي القادرة على المطالبة بذلك، باعتبارها أحد الدول المشرفة عليها، فمنذ انضمامها إلى لجنة التوفيق، احتفظت تركيا بموقف ثابت تجاه حقوق اللاجئين، متخذة منابر دولية مختلفة للضغط من أجل تطبيق القرارات الأممية، لا سيما القرار 194.
تنبع أهمية الدور التركي من دورها الفعال في لجنة التوفيق الدولية في الأمم المتحدة، وموقعها الجيوسياسي، وشبكة تحالفاتها الإقليمية والدولية، بجانب انتقال الثقل السياسي الفلسطيني إليها في الوقت الحالي بعدما توقف الدور القطري كوسيط بين الفلسطينيين ودولة الاحتلال
ليس على مستوى الدبلوماسي في أروقة الأمم المتحدة فحسب،عبر تفعيل دورها فيها، بل من خلال تنظيم مؤتمر دولي يركز على إعادة تفعيل لجنة التوفيق، وتقديم مبادرات جديدة لتوثيق ممتلكات اللاجئين الفلسطينيين بالتعاون مع الجهات الفلسطينية والدولية. بجانب قيادة حملات عالمية حول المسؤوليات المسؤوليات التاريخية تجاه اللاجئين الفلسطينيين، خاصة في مواجهة التجاهل الإسرائيلي المستمر للقرارات الدولية.
الطريق إلى الجنة غير معبد بالورود، بل ستواجه تركيا تحديات شديدة التعقيد في إحياء لجنة التوفيق وبالتالي الحفاظ على الأونروا ودورها، دولة الاحتلال تعد ذلك تهديدا مباشرا لمشروعها الاستيطاني القائم على طمس الحقائق وتصفية حقوق اللاجئين الفلسطينيين. لذا تتضافر الجهود بين ” إسرائيل ” والولايات المتحدة كحليف استراتيجي على لتعطيل أي تحركات دولية لفتح ذلك الملف متذرعة بحجج واهية منها حماية الاستقرار الإقليمي، خاصة في ولاية ترامب الجديدة التي تخطط لمشروعات جديدة في المنطقة نهائيا للمسألة الفلسطينية كمشروع صفقة القرن وتهجير الفلسطينيين من الأراضي.
كل تلك العقبات يمكن أن تجهض أي محاولات لاستعادة الحقوق الفلسطينية خاصة في مسألة حماية اللاجئين ومساعدتهم، لكن يمكن أن تشكل الجهود بشأن استعادة عمل الأونروا وأحياء لجنة التوفيق الدولية إذا أدير ذلك الملف بحكمة وقوة رافعة ضغط طولي. لإعادة ملف اللاجئين واستعادة إحياء أدوات قانونية ودبلوماسية كانت مغيبة لعقود.
نحو استراتيجية جديدة لحقوق اللاجئين
إحياء لجنة التوفيق الدولية لن يكون مجرد خطوة رمزية، بل هو ضرورة إستراتيجية في معركة استعادة الحقوق الفلسطينية. إن إعادة تفعيل هذه اللجنة يمثل وسيلة قانونية ودبلوماسية لمحاسبة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه التاريخية والحالية، إضافة إلى ضمان استمرار الأونروا كجزء من هذه المنظومة الدولية الداعمة لحقوق اللاجئين.
تركيا الحالية، تمتلك المقومات لتكون محورًا لهذه الجهود. من خلال تعزيز التنسيق مع الدول الأعضاء في اللجنة، وتوسيع تحالفاتها الداعمة للقضية الفلسطينية، يمكن لأنقرة أن تقدم نموذجًا للدور الدبلوماسي الفاعل في مواجهة التحديات الدولية.
إن معركة حقوق اللاجئين الفلسطينيين ليست مجرد قضية إنسانية، بل هي جوهر الصراع العربي-الإسرائيلي. وبينما تحاول إسرائيل وحلفاؤها دفن هذا الحق، تبقى الأدوار الدولية، مثل الدور التركي، عاملاً مهما في معركة إعادة الحقوق الفلسطينية إلى الواجهة.
بيسان عدوان