في تقرير شامل نشرته منظمة العفو الدولية، وُجهت اتهامات خطيرة لسلطات الاحتلال الصهيوني بارتكاب جرائم إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة منذ بدء العدوان الشامل في 7 أكتوبر 2023. ويصف التقرير، الذي استند إلى تحقيقات ميدانية ومكتبية ومقابلات مع ناجين وشهود عيان، الاعتداءات والجرائم بأنها غير مسبوقة في حجمها وشدتها، حيث تم تدمير أحياء بأكملها، واغتيال الآلاف من المدنيين، بينهم نسبة كبيرة من الأطفال.
جرائم ممنهجة واعتداءات مُدمرة
توضح المنظمة أن سلطات الاحتلال نفذت آلاف الغارات الجوية باستخدام أسلحة متفجرة واسعة التأثير على مناطق مكتظة بالسكان، ما أدى إلى استشهاد عشرات الآلاف من الفلسطينيين وإصابة المئات بجروح خطيرة –حسب المصادر الفلسطينية الرسمية وصل عدد الجرحي إلى أكثر من 100 ألف-، بينهم 40% من النساء والأطفال وكبار السن. وأفاد التقرير أن الغارات استهدفت المنازل والمرافق المدنية، بما في ذلك المشافي والمدارس والأسواق، مع انعدام الأدلة على وجود أهداف عسكرية في العديد من المواقع المستهدفة. وأشار التقرير إلى أن هذه الهجمات قد ترقى إلى جرائم حرب، مشيراً إلى استخدام القنابل الأمريكية الصنع ذات التأثير الواسع النطاق.
التهجير القسري والظروف المعيشية القاتلة
أبرز التقرير معاناة المواطنين الفلسطينيين الذين تعرضوا للتهجير القسري عدة مرات نتيجة أوامر “الإخلاء الجماعي” الصادرة عن جيش الاحتلال. وذكر أن نحو 90% من سكان غزة، البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة، تعرضوا للتهجير القسري، حيث أُجبروا على الإقامة في مناطق غير صالحة للسكن، تفتقر لأبسط مقومات الحياة من مأوى وطعام وماء، في ظل استمرار القصف. ووصف التقرير الظروف التي يعانيها المهجرون بأنها لا إنسانية، مشيراً إلى أن الأطفال كانوا الأكثر تأثراً بانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية الحاد، ما أدى إلى ارتفاع معدلات الوفيات بينهم بشكل مأساوي.
دمار شامل للبنية التحتية
شهد قطاع غزة دماراً واسع النطاق في بنيته التحتية، حيث تعرضت المشافي والمدارس وشبكات المياه والصرف الصحي للتدمير أو الضرر الجسيم. ووفقاً لتقديرات البنك الدولي والأمم المتحدة، فإن نحو 63% من منشآت غزة قد تعرضت للضرر، مما أدى إلى انهيار النظام الصحي وتفشي الأمراض المعدية وسوء التغذية، وخاصة بين الأطفال والحوامل. وأشار التقرير إلى أن السلطات الإسرائيلية عرقلت وصول المساعدات الإنسانية وفرضت قيودًا على الوقود والكهرباء، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية.
تثبيت مصطلح الإبادة الجماعية
استناداً إلى اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948، خلص التقرير إلى أن جرائم الاحتلال في غزة قد تصل إلى جريمة الإبادة الجماعية، حيث تضمنت اغتيال أعداد كبيرة من المواطنين الفلسطينيين، وإلحاق أذى جسدي ونفسي خطير، وإخضاعهم لظروف معيشية تُفضي إلى تدميرهم مادياً ومعنوياً. وأشار التقرير إلى خطاب التحريض من قبل مسؤولين بارزين في سلطات الاحتلال، مما يعزز من الأدلة على سياسة تدميرية ممنهجة ومخططة.
لماذا تأخرت منظمة العفو الدولية في توصيف الواقع؟
ساهمت منظمة العفو الدولية في عدد من التقارير حيال الإبادة الجماعية في قطاع غزة خلال أكثر من عام، ولكن لم يصدر منها قبل هذا التقرير إقرار واضح وصريح بالإبادة الجماعية، وعلى الرغم من أنّ ذلك يُعزى إلى “حساسية” المصطلح، وما يترتيب عليه من عليه تداعيات سياسية وقانونية كبيرة، وليس آخرها تهديد الإدارة الأمريكية المُنتخبة جديداً، بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية في إعقاب إصدار مذكرتي اعتقال بحق مجرمي الحرب نتنياهو وغالانت.
بالإضافة إلى ذلك فإن البيئة السياسية الدولية وفرت وتوفر سلطلات الاحتلال دعماً سياسياً قوياً من دول أخرى مؤثرة على الساحة الدولية، مما يجعل وصف أفعالها بالإبادة الجماعية قرارا حساساً. وليس ذلك في معرض التبرير بل على العكس، تأتي هذه الحقائق في سياق ضرورة دفع المنظمات الحقوقية الدولية نحو الانتصار لمظلومية الشعب الفلسطيني وعدم المساواة بين الشعب الأصلاني والقوة المُحتلة التي ترتكب الإبادة الجماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية منذ أكثر من 76 عاماً.
وبما أنّ المنظمة قد صرحت بشكل مُباشر واستخدمت مُصطلح الإبادة الجماعية، فإن هذا التصريح يمثل خطوة أخرى تساهم في تعريف المجتمع الدولي بحجم المأساة الإنسانية والسياسية في غزة. حيث إن هذه الخطوة تضيف أساساً قانونياً وأخلاقياً لتحركات دولية جادة، تهدف إلى زيادة الضغط على سلطات الاحتلال لوقف الإبادة الجماعية، وقد يكون أيضاً أحد الأسس التي تُمهد لمُحاسبة الاحتلال وفرض العقوبات عليه.