الجولاني، واسمه الحقيقي أحمد حسين الشرع، برز في السنوات الأخيرة كأحد أكثر الشخصيات جدلاً في المشهد السوري. بدأ حياته ضمن صفوف تنظيم “القاعدة” في العراق، حيث عمل تحت قيادة أبو مصعب الزرقاوي، ثم انشق ليؤسس تنظيمًا مرتبطًا بالقاعدة في سوريا عُرف بـ”جبهة النصرة”. ارتبط اسمه بارتكاب العديد من المجازر ضد المدنيين، وبتنفيذ عمليات عسكرية وحشية، حتى أصبح رمزاً من رموز الإرهاب العالمي.
أدرجته الولايات المتحدة والأمم المتحدة على قوائم الإرهاب الدولية، ورصدت 10 ملايين دولار كمكافأة لمن يدلي بمعلومات تقود إلى اعتقاله. ورغم هذا التاريخ الدموي، ظهر الجولاني مؤخراً كضيف على قناة CNN، في مشهد أثار استغراب الكثيرين وأثار تساؤلات عميقة حول هذا التحول المفاجئ في التعامل معه.
في اللقاء الذي أجري معه، حاول الجولاني إعادة تقديم نفسه كرجل دولة يسعى لإدارة مناطق شمال سوريا، مقدماً خطاباً سياسياً بدلاً من الخطاب الأيديولوجي المتشدد الذي كان يميزه. ركز على ما وصفه بـ”مشاريع إعادة البناء” و”تحقيق الاستقرار”، متجنباً الحديث عن تاريخه ضمن القاعدة أو المجازر التي ارتكبها تنظيمه بحق المدنيين.
الجولاني أشار إلى أنه يسعى إلى بناء إدارة مدنية في المناطق التي يسيطر عليها، مع تعزيز صورة الاعتدال السياسي. كما حاول نفي ارتباطه الحالي بالتنظيمات الإرهابية، قائلاً إنه يسعى لإعادة صياغة دوره ودور تنظيمه المعروف حالياً بـ”هيئة تحرير الشام”.
المثير هو الأبعاد السياسية والإعلامية لظهور الجولاني على قناة CNN ليس مجرد حدث إعلامي، بل يحمل في طياته دلالات سياسية واضحة:
1. إعادة صياغة الصورة: يبدو أن هناك جهوداً دولية لإعادة تلميع صورة الجولاني ليصبح مقبولاً كلاعب سياسي في شمال سوريا. هذا النهج يفتح باب التساؤلات حول استخدام قوى كبرى لشخصيات مثل الجولاني لتحقيق أهدافها في المنطقة.
2. مغازلة الغرب: اللقاء يعكس رغبة الجولاني في التقرب من الدول الغربية، عبر تقديم نفسه كشريك محتمل ضد تنظيم “داعش” أو النظام السوري، مستغلاً الفراغ الأمني والسياسي في المنطقة.
3. إعادة تشكيل التحالفات: في ظل تعقيدات الحرب السورية، يبدو أن بعض القوى الإقليمية والدولية ترى أن التعامل مع شخصيات مثل الجولاني أقل تكلفة من ترك المناطق التي يسيطر عليها فريسة للفراغ الأمني أو لتمدد تنظيمات أخرى.
الجولاني والمجازر الموثقة
رغم محاولته تبييض صورته، إلا أن تاريخه مليء بالانتهاكات:
مجازر المدنيين: تورط تنظيمه في عمليات إعدام جماعية، وقصف عشوائي استهدف مناطق مأهولة بالسكان المدنيين.
اضطهاد الأقليات: شاركت قواته في تهجير الأقليات العرقية والدينية، خاصة المسيحيين والإيزيديين، من مناطقهم.
علاقته بالقاعدة: رغم إعلانه فك الارتباط بالقاعدة عام 2016، إلا أن العديد من الخبراء يرون أن هذا الإعلان كان خطوة تكتيكية فقط، وليست تحولاً أيديولوجياً.
ظهور الجولاني في الإعلام الغربي يعكس تحولاً في أسلوب تعاطي بعض الجهات مع الشخصيات المثيرة للجدل. يبدو أن هناك محاولات لإعادة صياغة صورته، ربما لخدمة أجندات إقليمية أو دولية تسعى لاستغلال نفوذه في مناطق معينة.
أن يظهر الجولاني، الذي تلاحقه اتهامات بالإرهاب وارتكاب جرائم حرب، كضيف على إحدى أبرز القنوات الإخبارية العالمية، يثير تساؤلات عميقة حول دور الإعلام في تبييض صورة الشخصيات المثيرة للجدل. هل يمكن أن يغسل الإعلام ماضي شخصية متورطة في أعمال إرهابية؟ وهل تقف هذه الخطوة ضمن مخططات أكبر لإعادة توزيع الأدوار في سوريا؟
فظهور بهذه الطريقة يعكس جانباً من التحولات الدولية في التعامل مع الفاعلين غير الدوليين في مناطق النزاع.
الصفقات المحتملة: هناك شكوك بأن هذا الظهور قد يكون مقدمة لاتفاقات غير معلنة بين قوى غربية والجولاني، لتثبيته كلاعب رئيسي في مناطق الشمال السوري.
رسائل إلى المنطقة: اللقاء قد يكون رسالة مبطنة إلى القوى الإقليمية، بأن الغرب مستعد للتعامل مع أي جهة تحقق مصالحه، بغض النظر عن خلفيتها.
فالمفارقة: كيف يمكن لشخص ارتبط اسمه بأبشع الجرائم وأبشع التنظيمات أن يظهر كمتحدث عن مشاريع سياسية، بينما ما زالت آثار جرائمه شاهدة على الأرض؟ وهل يمكن للإعلام أن يساهم في تبييض صورة كهذه؟
الخلاصة
محاولة الجولاني لتغيير صورته تطرح أسئلة جدية حول المعايير التي يتبعها الإعلام الغربي في التعامل مع الشخصيات المثيرة للجدل، ومدى استعداد القوى الدولية لتجاهل الجرائم السابقة مقابل تحقيق أهداف سياسية. ومع ذلك، ظهور الجولاني على قناة عالمية مثل CNN لا يمكن قراءته بمعزل عن السياق السياسي والإعلامي الذي يحاول إعادة صياغة أدوار الفاعلين في المنطقة. لكن السؤال الأهم يبقى: هل يكفي تغيير الصورة الإعلامية لتغيير الحقائق التاريخية؟