جمهورية فلسطين تعيد نشر المقال الذي نشر في موقع People’s Dispatch بتاريخ 22 يناير 2025 بقلم فيجاي براشاد.

في خضم الدمار الذي حل بغزة، تتجلى روح الصمود التي يتحلى بها الشعب الفلسطيني في قصص الأسرى مثل خالدة جرار.

من المستحيل أن نستوعب هذه الحساسية. فغزة كلها تحولت إلى خراب. وقد تحدى ملايين الفلسطينيين الشتاء في خيام مؤقتة أو في مبان مدمرة، وتجمد أطفالهم (و بعضهم تجمد حتى الموت) وتفاقمت معاناتهم من المجاعة. وفي كل مكان تنتشر رائحة الانتقام الإسرائيلي. وصوت الدبابات والصمت المرعب للقنابل المتساقطة يحطم أعصاب حتى أكثر المقاتلين صلابة. ومع ذلك، وخلال ذلك، تواصل وحدات المقاومة الفلسطينية المسلحة إطلاق ذخيرتها المستنفدة على القوات الإسرائيلية. وفي الوقت نفسه، يركض الأطفال وسط الحطام السام وهم يرفعون الأعلام الفلسطينية.

هناك الآن وقف لإطلاق النار. ولكن هذا هو التاريخ الفلسطيني منذ عام 1948 على الأقل: الاحتلال، الحرب، ووقف إطلاق النار، وتحت كل هذا الاحتلال المستمر وتهديد الحرب، ومع ذلك، التحدي والابتسامات في وجوه الفلسطينيين. في معجم المقاومة الفلسطينية، فإن كلمة الصمود، التي استخدمتها منظمة التحرير الفلسطينية لأول مرة في ستينيات القرن العشرين، تعني كل شيء: فهي تعني التحدي، والصمود، والتمسك بالأرض على الرغم من الاحتلال الإسرائيلي. إنها تعني إخراج مفتاح المنزل الفلسطيني الذي كان قائماً قبل عام 1948 ورفعه عالياً.

عندما خرجت خالدة جرار وسط حشد المؤيدين بعد أشهر قضتها في زنزانات إسرائيل القاسية، قالت: “أنا قادمة من الحبس الانفرادي. ما زلت لا أصدق ذلك. أنا متعبة بعض الشيء”. جرار، إحدى قادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كانت تدخل وتخرج من سجون إسرائيل طوال حياتها. كان اعتقالها الأول في مارس (1989) عندما شاركت في مسيرة بمناسبة اليوم العالمي للمرأة. لقد تابعت رحلتها داخل وخارج السجن، وسجلت اقسى مراحل حزنها عندما منعها الاحتلال من حضور جنازات والدها (2017) ووالدتها (2018) وابنتها سهى (2021) حين فقدتهم وهي في الأسر. جرار هي واحدة من آلاف الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية بموجب “الاعتقال الإداري”، وهي تسمية زائفة تبرر السجن لأجل غير مسمى دون تهمة.

في كل مرة دخلت فيها جرار السجن، كان سلوك سجانيها الإسرائيليين أكثر قسوة. وهذه المرة، اعتُقِلَت أثناء الإبادة الجماعية في ديسمبر (2023)، ووضعت في زنزانة سيئة التهوية ولم تكن قادرة على التنفس بسهولة. قرأ زوجها غسان جرار بيانًا لها من أغسطس 2024:

“أنا أموت يومياً، فالزنزانة أشبه بعلبة صغيرة مغلقة لا يدخلها الهواء، فقط يوجد في الزنزانة مرحاض وأعلاه شباك صغير، تم إغلاقه لاحقا بعد نقلي بيوم واحد، ولم يتركوا لي أي متنفس، وحتّى ما تسمى (بالأشناف) في باب الزنزانة تم إغلاقها. هناك فقط فتحة صغيرة أجلس بجانبها معظم الوقت لأتنفس، فأنا أختنق في زنزانتي وأنتظر أن تمر الساعات لعلي أجد جزيئات أوكسجين لأتنفس وأبقى على قيد الحياة.”

الآن، تُغادر جرار السجن برفقة 90 أسيرًا فلسطينيًا آخرين تم تبادلهم بثلاثة أسرى إسرائيليين في الجزء الأول من اتفاق وقف إطلاق النار. إن قصص الأسرى مذهلة ومثيرة للغضب. فقد اعتقل الإسرائيليون شابة فلسطينية (شذى جرابعة) لكتابتها على وسائل التواصل الاجتماعي عن “وحشية” الإبادة الجماعية. واحتجز شاب آخر (زكريا الزبيدي) من مسرح الحرية في جنين للاشتباه في كونه إرهابيًا.

ولقد اعتقلت السلطات الإسرائيلية امرأتين أخريين من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وهما عبلة سعدات وميسر فقيه، دون توجيه تهمة إليهما، ووضعتهما تحت الاعتقال الإداري كجزء من الاستراتيجية الإسرائيلية العامة الرامية إلى منع الفصائل الفلسطينية من ممارسة أي نشاط سياسي. وقد ظل القائد في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعدات في السجن لعقود من الزمان، ومن المرجح ألا يُطلَق سراحه قبل انتهاء الاحتلال. ولقد كانت الأجندة الإسرائيلية على مدى عقود من الزمان تهدف إلى إضعاف اليسار الفلسطيني ـ وخاصة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ وبالتالي تعززت القوى الإسلامية. وهذا يسمح لها بترويج حجة زائفة مفادها أن هذه حرب ضد الإسلام السياسي وليس حملة وحشية للقضاء على الشعب الفلسطيني ككل.

إنه الاحتلال

في آب 2014، حاصر جنود الاحتلال منزل خالدة وغسان جرار. وكانوا قد جاؤوا لإبلاغ خالدة جرار بأنها ممنوعة من دخول منزلها في رام الله وعليها أن تقتصر تواجدها في مدينة أريحا. وقالت للجنود: “إن الاحتلال هو الذي يجب أن يغادر وطننا”. ثم نصبت هي ورفاقها خيمة خارج مقر المجلس التشريعي الفلسطيني وبقوا هناك. واضطر الإسرائيليون إلى التراجع. كان هناك الكثير من الضغوط الدولية عليهم.

إن الأشخاص الذين يعيشون تحت الاحتلال هم أناس مسجونون. فالفلسطينيون في القدس الشرقية وغزة والضفة الغربية ـ الأراضي الفلسطينية المحتلة كما تسميها الأمم المتحدة ـ لا يتمتعون بحرية الحركة. إنهم محاصرون. ومن يريد كسر هذا القفص يقبع في ظروف مروعة في السجون الإسرائيلية. وليس من المستغرب إذًا أن تكون خالدة جرار مديرة مؤسسة الضمير، وهي منظمة غير ربحية تقدم الدعم للأسرى، من عام 1993 إلى عام 2005. وعندما لا تكون في سجن إسرائيلي، فإنها تعمل على مشروع بحثي لصالح معهد مواطن للديمقراطية وحقوق الإنسان في جامعة بيرزيت حول “الأبعاد الطبقية والنوع اجتماعية للحركة الأسيرة الفلسطينية وانعكاساتها في المشروع الوطني التحرري”.

ومن المرجح أن تخرج جرار بعد أيام قليلة من الآن من منزلها، وتلقي خطاباً، ثم تعود إلى العمل في مشروعها. جرار المصنوعة من الفولاذ والحب لا تلين. وكذلك الفلسطينيون الذين يعودون ببطء إلى منازلهم المدمرة في غزة، باحثين عن الصور الضائعة والممتلكات القليلة المتبقية؛ الجذور التي لم تُقطع.

فيجاي براشاد: هو مؤرخ ومحرر وصحفي هندي. وهو كاتب ومراسل رئيسي في Globetrotter. وهو محرر في LeftWord Books ومدير Tricontinental: Institute for Social Research.

 وقد كتب أكثر من عشرين كتابًا، بما في ذلك “The Darker Nations” و “The Poorer Nations”. من أحدث مؤلفاته: “On Cuba: Reflections on 70 Years of Revolution and Struggle” (بالاشتراك مع نعوم تشومسكي)، و”Struggle Makes Us Human: Learning from Movements for Socialism“، و” The Withdrawal: Iraq, Libya, Afghanistan, and the Fragility of U.S. Power” (بالاشتراك مع نعوم تشومسكي أيضاً).

تم إنتاج هذا المقال بواسطة Globetrotter.

تشارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *