كنجمة في السماء تأبى الخفوت ،وكمنارة في جو عاصف تنير الطريق وتبث الأمل، تحدد المسار لمن تاه، تلك هي مقاومة الشعب الفلسطيني، صاحب الأرض والحق والتاريخ، فلسطين التاريخية المثال الحي والملهم لكل الشعوب التواقة للتحرر ،بأطفالها ونسائها رجالها وشيوخها في كل ساحات الوغى في الأراضي المحتلة، غزة وكل شبر في فلسطين تقاوم بالصدر العاري لكن بإيمان مطلق بعدالة ومشروعية القضية.
إن العدو الغاشم الكيان الصهيوني والمُصنف من أعتى الجيوش العالمية من الناحية اللوجستية والمعدات العسكرية، وقف مرتبكاً أمام مقاومة الشعب الفلسطيني المغوار، الذي يأبى الخضوع أو النسيان، وها هو اليوم يقول أنا هاهنا ما زلت أقاوم وما زلت موجود، رغم كل التكالبات والخيانات يقول لنا على لسان غسان كنفاني:
“سأضل أناضل لاسترجاع الوطن لأنه حقي وماضيَ ومستقبلي الوحيد …لأن لي فيه شجرة وغيمة وظل وشمس تتوقد وغيوم تمطر الخصب … وجذور تستعصي على القلع”.
إن ما يعيشه الشعب الفلسطيني اليوم من إبادة جماعية يستلزم من الجميع أن يحدد موقفه وبشكل واضح دون لبس ولا إبهام، فلا مكان للحياد في القضية الفلسطينية، ولا وجود لمنطقة رمادية للوقوف فيها، فإما مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة في تحرير أرضه من الكيان الصهيوني، وإما مع هذا الأخير مع الكيان الغاصب، مع التقتيل والتهجير والإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني .
إن وضعنا للمعادلة على هذه الشاكلة يمكننا جميعا من معرفة موقف أولائك الذين يقولون بتبنيهم للقضية الفلسطينية خاصة موقف الأنظمة الرجعية بالمنطقة، والتي أبانت اليوم كما السابق عن دعمها للكيان، وإن كانت لا تستطيع الجهر بموقفها علانية، لكن ممارساتها تبين بالملموس ذلك، وهذا يحيلنا أيضاً على موقف النظام القائم بالمغرب مما يقع حالياً وهو الذي يسمي نفسه أي الكومبرادور زوراً وبهتاناً “رئيس لجنة القدس”، فماذا يقصد من دعوته للأطراف ضبط النفس؟
هل صار الكيان الصهيوني طرفاً أم أنه المحتل الذي يمارس كل الجرائم في حق شعب أعزل؟ ما معنى سلامة المدنيين وعن أي مدنيين نتحدث، هل يوجد هناك غير الشعب الفلسطيني المقاوم أم أن هناك من يعتبر وجود طرف آخر؟ لقد تعمدنا طرح هذه الأسئلة لنبين أن النظام القائم لا زال يساهم في قبر وتصفية القضية الفلسطينية بكل السبل المتاحة.
وكل هذا أصبح واضحا خاصة مع التطبيع العلني مع الكيان الصهيوني بمباركة القوى الظلامية ( العدالة والتنمية) وبعدها فيما يسمى بالتطبيع التربوي ومحاولة إدخال الفكر الصهيوني لأبناء الشعب المغربي لتليها ما سمي بلقاء الحضارات والتعايش السلمي، إضافة إلى ازدياد العلاقات الإقتصادية بين النظام القائم بالمغرب وبين الكيان الصهيوني خاصة اتفاقيات بيع الأسلحة وتصدير الحمضيات والفواكه وبشكل خاص فاكهة الأفوكا، هذه الأخيرة والتي تقوم بتخريب الفرشة المائية من داخل المغرب نظراً لأنها تحتاج كميات هائلة من المياه لزراعتها إذ يعتبر المغرب من المصدرين الرئيسيين لهذه الفاكهة للكيان الصهيوني.

وما طرحنا لهاته المعطيات إلا لإبراز الدور الخياني الذي يلعبه النظام القائم بالمغرب في إقبار القضية الفلسطينية، هذه المهمة والتي أوكلت له منذ سنوات طويلة وقد نفذها النظام ولا زال ينفذها بكل حمية وإتقان، وفي سبيلها قام بسفك دماء الشعب المغربي ودماء الطلبة بشكل خاص، حيث تعود بنا الذاكرة إلى خطاب الحسن السفاح في الثمانينات عندما قال : “كل من تضامن مع الشعب الفلسطيني سألطخ باب بيته بالدماء” .
وبالفعل كان عند وعده (النظام) إذ أراق دماء الطلبة عندما خرجوا للتضامن مع الشعب الفلسطيني وما يتعرض له وهنا نتذكر الشهيدة زبيدة خليفة وعادل الأجراوي شهداء ساحة 20 يناير بظهر مهراز والذين اغتالهما النظام بالرصاص الحي، نحمل قلمنا مرة أخرى ونتذكر الشهيدين كرينة والكاديري أيضا واللذان استشهدا في سبيل القضية الفلسطينية هما أيضا، نتذكر وكلنا فخر أن دماء الشعب المغربي امتزجت مع دماء الشعب الفلسطيني، فالذاكرة درع وطوق نجاة لذلك نتذكر.
إننا اليوم نرى الإبادة الجماعية في حق الشعب الفلسطيني بغزة، كما نرى بأم أعيننا هذا الصمت الرهيب من طرف الأنظمة الرجعية بالمنطقة ومن طرف الإمبرياليات عامة، فأين هي حقوق الإنسان وما موقعها من كل ما يقع؟ ما موقع ما يسمى بالقانون الدولي الإنساني جراء اغتيال الأطفال الذين وصلت نسبتهم لأزيد من 700 طفل، إضافة إلى النساء والشيوخ وتدنيس المعابد والمدارس؟ ما موقع المنتظم الدولي من استخدام (الأسلحة المحرمة دوليا) كالقنابل الفوسفورية والتي يقوم الكيان الصهيوني بقذف الأطنان منها على الشعب الفلسطيني؟
في المقابل تبين وبشكل ملموس أن القضية الفلسطينية هي قضية الإنسانية جمعاء خارج كل النعرات الدينية والعرقية والطائفية، خاصة مع تضامن مختلف شعوب العالم وتنديدها بما يقع يوضح أن التطبيع مع الكيان الصهي-وني هو تطبيع الأنظمة وليس الشعوب، أما هاته الأخيرة فهي داعمة لحق الشعب الفلسطيني في أرضه كاملة، وهذا ما يضع على عاتق كل المناضلين وكل حركات التحرر النضال ضد أنظمتهم التي تساهم في تصفية القضية الفلسطينية عبر دعمها للمشروع الصه-يوني سواء بطريقة مباشرة أو بطريقة غير مباشرة.
الواقع في فلسطين واضح للعيان بعيدا عن الخطابات السياسية المضللة، يرى البصير والكفيف الغارات التي يشنها الكيان الصهيوني والحصار المضروب على بلدة غزة خاصة فكل شبر منها يعيش على إيقاع القصف المستمر ولم يكتفي الكيان الغاصب بهذا بل ذهب لقطع الماء والكهرباء هذا ما أدى الى تدهور قطاع الصحة ،حيث أضحت المراكز الطبية عبارة عن مستوصفات للموتى ،نحن اليوم أمام أبشع جرائم الحرب التي ترتكب في حق الانسانية ،وكل هذا أمام مرأى ومسمع الجميع نحن على يقين تام ويجب على الجميع بأن يعلم أن من سينصف فلسطين هو الشعب الفلسطيني نفسه وكل شعوب العالم التواقة للتحرر ،بعيدا عن القاعات المكيفة والمنابر المزيفة والخرجات البهلوانية لعملاء الإحتلال .
في فلسطين التاريخية لن تسقط الراية ستظل ترفرف في السماء عالية شامخة ولن يمر التخاذل فمحكمة التاريخ وذاكرة الشعب عصية على النسيان ستحاكم كل من تخاذل وكل من طبع وباع القضية كل من سكت على الجرائم التي ترتكب في حق الفلسطينيين .
الرفيق إبراهيم، النهج الديمقراطي القاعدي، جامعة فاس – المغرب