لم أحبذ أن أكتب عن الجوع، ليس حرجًا من القول إنني، وكل من أعرفهم، جائعون؛ فالحال واحد لكل أهالي قطاع غزة.

الوضع ليس شحًا في خيارات الأكل، بل انعدامًا كاملًا. باتت الأجساد تفقد طاقتها، والعقل يفقد تركيزه، وأفواه الأطفال لا تكف عن الأنين. أما اليافعون، فقد باتوا يدركون أن الأمر أكبر من قدرة أهاليهم، فيجوعون في صمت كي لا يزيدوا الضغط على ذويهم، الذين لا حول لهم ولا قوة.

لم أحبذ الكتابة، لأن هذا كله بلا فائدة. لا الكلمات تنجح في الوصف، ولا تنجح في حشد التأثير المطلوب لدفع من تبقّى من أصحاب المروءة للتحرك، للقيام بأي شيء، للمحاولة على الأقل.

أنا مقتنع منذ أشهر أن التطبيع مع الإبادة بات هو السمة السائدة. وحتى أولئك الذين يحاولون مراعاة مشاعرنا، لا يفعلون ذلك إلا للبحث عن مبرر أخلاقي يقدّمونه لأنفسهم، كأن يخفوا جزءًا من أنشطتهم اليومية، كي لا يشعروا بأنهم يساهمون في الضغط علينا. لكن الواقع أن الحياة تسير، والعالم ينام بكل ثقله فوق صدور مئات آلاف الجائعين في قطاع غزة، الذين باتوا أمام خيارات متعددة للموت:

بين انتظار الموت السريع بالصواريخ، أو المخاطرة بالموت على أبواب مراكز المساعدات الأمريكية، التي لا تبدو سوى مصائد، ونسخ عن ألعاب سادية مريضة كنا نظن أنها لا توجد إلا في الأفلام؛ أو انتظار الموت البطيء لأجساد نحيلة تفقد طاقتها ومناعتها، وتتحوّل إلى أهداف سهلة للأمراض والأوبئة التي لم تعد هناك أدوية لعلاجها.

هذا المشهد… هذه الكلمات… بالطبع، لن تغيّر شيئًا، في عالم حقير.

فقط. إلى هنا.

غزة، 19 تموز/يوليو 2025

أحمد الطناني

الطناني نشط لسنوات في الحركة الطلابية في جامعات قطاع غزة وقاد أحد أطرها التقدمية لسنوات، وهو باحث معروف ينشر مقالات ومواد حول ما يجري من حرب ابادة ضد الشعب الفلسطيني، فقد عدد من افراد عائلته بينهم شقيقيه في الغارات الاسرائيلية الوحشية شمال قطاع غزة، يكتب رسالته من داخل قطاع غزة .

Shares:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *