باختصار هو اتفاق الحل الوسط حتى لا ينفرط عقد الحكومة البلجيكية، وهنا تذكرت مثال كوب الماء الذي نصفه مليان والنصف الاخر فارغ ، ولكل من ينظر اليه يراه كما يرغب ، فإن كان متفائلا سيقول النصف مليان ، وإن كان متشائما سيقول هذا كوب نصفه فارغ ، المهم وبعيدا عن هذا الشبه ، استطيع القول ومن تجربتي الطويلة في هذا البلد ومعرفتي بمواقف أحزابه وقواه السياسية أستطيع القول ما يلي :
معركة احداث نقلات نوعية على صعيد المواقف الرسمية البلجيكية هي مشوار طويل ومعركة متعددة الجوانب ، وهذا يفرض استمرار ضغط الشارع وحشد أكبر للمجتمع المدني وضغط متزايد من لحركة التضامن البلجيكية المتنوعة والمتعددة الأطراف على المؤسسات التي تتعاون مع كيان الاحتلال وليس فقط في المستوطنات بل في المؤسسات الانتاجية الضخمة خاصة في المجالات العسكرية ومجال التقنيات المتطورة والتي تعتبر إسرائيل فيها من اهم دول العالم .
الاعتراف اذا من الضروري أن يرافقه مجموعة من خطوات ملموسة وواضحة هدفها معاقبة المحتل على سياساته والتي أهمها ما يرتكبه من ابادة جماعية في غزة وكذلك رغبته الواضحة والعلنية بالوصول إلى تهجير قسري وجماعي في قطاع غزة لإفراغه من سكانه البالغ عددهم اكثر من مليونين من السكان ، كذلك ما يقوم به في الضفة الغربية عبر توسيع استيطاني لم تعرفه الأراضي المحتلة منذ عشرات السنوات ويرافق هذه السياسات تدمير بيوت في بعض المخيمات وقمع متزايد عبر الاعتقالات التي تطال الاف الفلسطينيين وأخيرا وليس آخرا تسليح متزايد للمستوطنين وتركهم يبثون الرعب عبر هجماتهم على قرى قرى الفلسطينيين بدون أي محاسبة .
باختصار هذا الاعتراف حتى لو لم يكن مشروطا يلزمه أن يدعم بإجراءات عقابية واضحة تستهدف الكيان وليس بعض المستوطنات والمستوطنين فقط ، فسياسة إسرائيل تتبناها الحكومة وتطبقها مؤسساتها وعلى رأسها الجيش، وهنا نذكر بأن عدد الدول التي سبق وأن اعترفت بدولة فلسطين يتجاوز 140 دولة ، لكن هذه الحقيقة لم تردع كيان الاحتلال للتوقف عن سياساته التوسعية والمتطرفة .
الاعتراف هو حق للشعب الفلسطيني لأنه ترجمة سياسية وقانونية لحق تقرير المصير والذي حرم منه الشعب الفلسطيني من بداية هذا الصراع، أي اعتراف هو خطوة باتجاه تصحيح ليصل الشعب الفلسطيني لممارسة حقه بتقرير مصيره بنفسه وعلى تراب وطنه فلسطين ، إقدام الحكومة البلجيكية الإعلان عن نيتها الاعتراف بدولة فلسطين هو خطوة بالاتجاه الصحيح وتطويره مرهون باستمرار الضغط الشعبي والسياسي من الاحزاب تطالب ومن سنوات لتقوم بلجيكا بالاعتراف، وقد سبق للحكومات البلجيكية سابقا الإعلان عن نيتها الاعتراف بدولة فلسطين في الوقت المناسب.
كذلك من الضروري التذكير أنه وبعد السابع من اكتوبر وبداية القصف الهمجي على قطاع غزة وارتكاب مجازر عدة خاصة في مستشفيات وسياسة التدمير الممنهج ومنع دخول المساعدات، عندها كانت بلجيكا مع القليل من دول الاتحاد الاوروبي في المقدمة وي تنديدها للممارسات التدميرية حتى أنها قدمت مساعدة مالية بخمسة مليون يورو لمحكمة الجنايات الدولية لتقوم بعملها إزاء ما يجري في قطاع غزة من جرائم، تلك السياسة عرفت تراجعا كبيرا بعد الانتخابات البرلمانية التي عقدت بمنتصف عام 2024 والتي أوصلت للحكومة ائتلافا حكوميا يمينيا بامتياز وفي مكوناته ما يرفض القيام بأي خطوات تزعج كيان الاحتلال.
في الآونة الأخيرة بدأت الحكومة البلجيكية الائتلافية تعرف تململا بصفوفها وارتفعت العديد من الأصوات من داخلها تطالب باحداث تغييرات والذهاب لخطوات متقدمة ،حتى أن إنغلاق الأفق للخروج من سياسة يمينية محافظة متواطئة مع إسرائيل كاد أن يؤدي لانفراط الائتلاف وبالتالي سقوط الحكومة والذهاب لانتخابات جديدة وهذا ما لا ترغب به مطلقا المكونات الأكثر يمينية في الحكومة الحالية ، لذلك وبعد مشاورات عديدة ،وصل الائتلاف الحالي لاتفاق على مجموعة من الاجراءات وفيها بلا شك ماهو ايجابي مع ضرورة ترجمته بخطوات واضحة وبينة خاصة في العلاقات العسكرية وكذلك منع لأي تعاون مع المستوطنات وعدم السماح بدخول منتجاتها للأراضي البلجيكية.
ستعرف بروكسل يوم الاحد القادم في السابع من شهر أيلول الحالي مظاهرة وطنية بلجيكية يشارك فيها عشرات الآلاف للمطالبة بوقف الابادة وادخال المساعدات وتقديم المسؤولين عن الجرائم المرتكبة للمحاكم الدولية وعلى رأسها محكمة الجنايات ، الضغط الشعبي في الشارع هو الذي يجبر الأحزاب لإحداث تغييرات في مقارباتها لما يجري، لذلك نحن بحاجة ماسة لاستمراره ولو بأشكال متنوعة حتى نصل لنقلات نوعية في سياسة الحكومات البلجيكية تجاه فلسطين وعندها يكون لقرار الاعتراف معناه السياسي والقانوني وكذلك الأخلاقي تجاه شعب لاقى من الظلم من أوروبا ما لم يلقاه أي شعب آخر .
حمدان الضميري / ناشط فلسطيني بلجيكا.