مقال  مُترجم /   وكالة الانباء  vrt  البلجيكية

تشهد بروكسل اليوم مجددًا تظاهرة حاشدة ضد الحرب على غزة، في مشهد يعيد للأذهان المسيرات الضخمة التي خرجت في يونيو الماضي، والتي شارك فيها ما بين 75 إلى 110 آلاف متظاهر، لتكون الأكبر منذ مسيرة المناخ عام 2019. المنظمون يؤكدون أن الهدف من التحرك هو “رسم خط أحمر ضد الإبادة الجماعية والإفلات من العقاب”. لكن السؤال المطروح: هل لهذه التظاهرات أثر حقيقي على القرار السياسي؟ السياسي وعالم الاجتماع رود ووترز من جامعة تيلبورغ يؤكد أن الاحتجاجات يمكن أن تترك أثرًا ملموسًا، “خصوصًا عندما تأتي بشكل مفاجئ أو تعبّر عن طيف واسع من المجتمع”.

أثر ملموس على المواقف الحكومية

ويشير ووترز إلى أن الاتفاق الأخير بين الحكومتين الفيدرالية والفلامنكية في بلجيكا حول فرض عقوبات على إسرائيل، وربط الاعتراف بالدولة الفلسطينية بشروط معينة، جاء متأثرًا بشكل مباشر بهذه التظاهرات. ويضيف: “الحكومات تحاول دائمًا أن تبدو كجبهة موحدة، لكن الاحتجاجات تكشف الانقسامات الداخلية، وقد تدفع أطرافًا في السلطة إلى تبني مواقف أكثر جرأة استجابةً لضغط الشارع”.

الاحتجاج كإشارة إنذار

ويصف ووترز الاحتجاج بأنه “قمة جبل الجليد”، حيث يقف خلف المتظاهرين “جمهور صامت” من المؤيدين الذين لا يخرجون للشارع لكنهم يراقبون. هذا ما يجعل السياسيين يحاولون تقدير حجم هذا الغضب غير المرئي. وبحسب ما نقله عن نواب في البرلمان البلجيكي، فإن كثيرين يصفون التظاهرات بأنها مجرد “ضجيج عابر”، لكنهم يعترفون أن وقعها يصبح قويًا إذا جاءت مفاجئة أو شارك فيها جمهور متنوع يتجاوز القواعد التقليدية مثل النقابات. عندها فقط تُقرأ كإشارة جدية على سخط اجتماعي واسع.

من الشارع إلى الشبكة: تكامل الأشكال الاحتجاجية

رغم دور الحملات الرقمية والوسوم (#) في التعبئة، يرى ووترز أن الحضور الجسدي في الشارع هو ما يمنح الحركات ثقلها، مستشهدًا بتجارب #أنا_أيضًا (MeToo) وحياة السود مهمة (Black Lives Matter) التي تحولت إلى قوى ضغط حقيقية حين خرجت إلى الميدان. أما الأفعال الأكثر راديكالية – كالتصاق ناشطين بأرضيات أو استهداف لوحات فنية – فمع أنها تثير جدلًا سلبيًا، إلا أنها قد تخدم الحركات الأكثر اعتدالًا عبر إظهارها كخيار “عقلاني” بالمقارنة. بل إن القمع المفرط من السلطات قد يثير تعاطفًا شعبيًا مع المتظاهرين.

الحق في التظاهر تحت الضغط

يحذر ووترز من أن الحق في الاحتجاج بات يتعرض للتضييق عالميًا، مستشهدًا بتجارب الولايات المتحدة في عهد ترامب والمجر في عهد أوربان. وحتى في بلجيكا طُرحت مقترحات لتقييد حق من يوصفون بـ”مثيري الشغب” من المشاركة في التظاهرات، وهو ما يراه انزلاقًا خطيرًا نحو تقويض حرية التعبير.

دروس التاريخ: من العراق إلى غزة

ويؤكد أن الاحتجاجات دائمًا مرآة لما يشغل الرأي العام: من المظاهرات ضد حرب العراق في مطلع الألفية، مرورًا بأزمات اقتصادية، وصولًا إلى مسيرات المناخ. ويعتبر “المسيرة البيضاء” عام 1996 الأنجح في تاريخ بلجيكا، حيث أسهمت بشكل مباشر في إصلاحات بنيوية مثل إعادة هيكلة الشرطة.

غزة: الاستمرارية والمقاومة المدنية

ويختم ووترز بالقول: “التظاهر لا يعني بالضرورة تغييرًا سياسيًا فوريًا، لكنه يمنح المشاركين شعورًا بالانتماء والتضامن، ويعيد لهم الثقة والطاقة لمواصلة الضغط”. وفيما يتعلق بغزة، يشدد على أن استمرار المأساة يفرض الاستمرار في رفع الصوت، لأن “الاحتجاج هو الوقود الذي يبقي جذوة التضامن مشتعلة ويمهّد لتحولات مستقبلية”.

Shares:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *