في الذكرى الثانية للإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني، يقف العالم أمام إبادة جماعية مُتلفزة. لم تكن حرباً عابرة أو مواجهة عسكرية محدودة، بل سياسة ممنهجة من القتل والتدمير والتجويع والإبادة التي طالت الإنسان والأرض والمجتمع بكل مقوماته. وعلى الرغم من مرور عامين على بدء الإبادة في أكتوبر 2023، فإن آثار هذه الجريمة ما تزال ماثلة، بل تتفاقم مع استمرار الاحتلال في استهداف المدنيين ومقومات الحياة داخل قطاع غزة المحاصر.

منذ انطلاق العدوان، وثّقت المصادر الحقوقية والإنسانية استشهاد أكثر من 65,000 فلسطيني، بينهم عشرات الآلاف من النساء والأطفال، فيما تشير تقديرات أخرى إلى أن العدد الحقيقي قد يتجاوز الأرقام الرسمية بنسبة 40% بسبب الجثامين العالقة تحت الأنقاض وانهيار المنظومة الصحية. كما تسببت الغارات المتواصلة في تدمير ما يقارب 92% من المباني والمنشآت المدنية في قطاع غزة، بما في ذلك المستشفيات والمدارس ودور العبادة، وحرمان أكثر من 600,000 طفل من حقهم في التعليم. وإلى جانب ذلك، تعرّضت مراكز توزيع المساعدات الإنسانية للقصف المباشر، مما أدى إلى مقتل آلاف المدنيين أثناء محاولتهم الحصول على الغذاء.

هذا الدمار الشامل لم يقتصر على الأرواح والبنى التحتية، بل امتدّ إلى الحياة نفسها. فالملايين من الفلسطينيين يعيشون اليوم في ظروف تهجير قسري داخل القطاع وخارجه، محرومين من الماء والكهرباء والرعاية الصحية والغذاء. لقد انهارت المنظومة الصحية بالكامل، وتفشّت الأمراض نتيجة التلوث وانعدام الصرف الصحي، فيما تعيش أجيال كاملة في حالة صدمة نفسية دائمة، وسط ركام مدنهم وذكريات بيوتهم المهدّمة. باتت غزة اليوم شبه غير صالحة للحياة، في جريمة تمثل أوضح مظاهر الإبادة الجماعية المتواصلة أمام أنظار المجتمع الدولي.

إنّ هذه الحقائق تُحتّم على العالم الحرّ أن يتحرك بما يتجاوز بيانات الشجب والإدانة الشكلية. فالتقاعس الدولي لا يعد صمتاً فحسب، بل صار تواطؤاً يشرعن استمرار الجريمة. إنّ الالتزام بالقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف يفرض على الدول اتخاذ خطوات عاجلة لوقف العدوان ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة. كما أن وقف الدعم العسكري والسياسي للاحتلال لم يعد خياراً أخلاقياً فحسب، بل واجب قانوني وإنساني، خصوصاً بعد توثيق منظمات حقوقية كبرى لاستخدام الأسلحة الغربية في استهداف المدنيين. وعلى المجتمع الدولي أن يترجم بياناته إلى أفعال ملموسة، من خلال فرض العقوبات على المسؤولين الإسرائيليين والشركات المتورطة في تمويل الحرب، وتجميد التعاون العسكري والاقتصادي مع الكيان الذي يصرّ على انتهاك القانون الدولي.

ولا يقلّ عن ذلك أهمية دور الشعوب في ممارسة الضغط المستمر على حكوماتها ومؤسساتها. فحملات المقاطعة، والمظاهرات، والاحتجاجات الشعبية، وفضح الشركات المتواطئة، كلها أدوات ضرورية في معركة الوعي والتأثير. إنّ الرأي العام العالمي يجب أن يدرك أن فلسطين ليست قضية محلية أو إقليمية، بل امتحان للضمير الإنساني ولقدرة الشعوب على الوقوف في وجه العدوان والقوى الاستعمارية الإرهابية.

في هذه الذكرى الأليمة، نؤكد أن صمت العالم لن يطمس الحقيقة، وأن دماء الفلسطينيين ستبقى شاهدة على واحدة من أبشع جرائم العصر. إن واجب المرحلة هو تصعيد التضامن الدولي ومواصلة النضال السياسي والحقوقي والإعلامي حتى تتحقق العدالة، ويُحاسب الجناة، ويُرفع الحصار عن غزة، ويُعاد للشعب الفلسطيني حقه في الحياة والحرية والكرامة. إن إنهاء الإبادة ومحاسبة الاحتلال ليسا مطلبين فلسطينيين فحسب، بل قضية إنسانية عالمية تمسّ جوهر العدالة، وكرامة الإنسان في كل مكان.

موقع جمهورية فلسطين – هيئة التحرير

Shares:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *