تشهد مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، منذ سيطرة قوات الدعم السريع عليها، تصاعدًا ميدانيًا حادًا وعنفًا واسع النطاق ضد المدنيين. وفقًا لتقارير القوة المشتركة المتحالفة مع الجيش السوداني، قُتل أكثر من 2000 شخص خلال يومي 26 و27 أكتوبر/تشرين الأول 2023، معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن، في ما تصفه المصادر بـ”مجازر جماعية” مروعة.

وتشير المعلومات الميدانية إلى أن عمليات القتل لم تقتصر على الاشتباكات مع القوات المسلحة، بل شملت منازل المدنيين وأحياء سكنية كاملة، إضافة إلى هجمات على مستشفيات ومرافق طبية، وفقًا لتقارير القوة المشتركة المتحالفة مع الجيش السوداني، وقواعد بيانات ميدانية منظمات دولية، فإن المدنيين في المدينة تعرضوا لانتهاكات واسعة، وهو ما دفع الأمم المتحدة لتحذير من تزايد خطر الفظائع ذات الطابع العرقي، بعد انتشار صور بالأقمار الصناعية توثق المعارك والتدمير. وايضاً خروج فيديوهات وتسجيلات تدلل على ارتكاب إبادة جماعية تجاه السكان بالفاشر،  واخرها  كان استهداف مستشفى المدينة راح  ضحيتها اكثر من 400 مريض بالمشفى النسائي هناك.

وتكشف تسجيلات فيديو وصور بالأقمار الصناعية عن مداهمات واسعة وموجات إعدام جماعي في مناطق متعددة بالمدينة، ما يعكس حجم الانتهاكات التي طالت المدنيين العزل. ويرى مراقبون أن هذا العنف يشكل ذروة تصاعد الأزمة الإنسانية في الفاشر ويطرح تحديات كبيرة للمجتمع المحلي، إضافة إلى تأثيرات على الاستقرار في دارفور والمناطق المجاورة.

تهجير جماعي وانهيار الوضع الإنساني في الفاشر

لم تقتصر الانتهاكات في الفاشر على القتل والاعتداءات المباشرة على المدنيين، بل شملت تهجيرًا جماعيًا للسكان. وفقًا لتقارير القوة المشتركة والمصادر الإنسانية، اضطر أكثر من مليون شخص لمغادرة منازلهم هربًا من جرائم قوات الدعم السريع، متجهين نحو دول مجاورة في ظروف صعبة وخطرة للغاية.

النازحون يعيشون اليوم في خيام مؤقتة وملاجئ مكتظة، غالبًا بدون وصول كافٍ للمياه أو الغذاء أو الرعاية الطبية، ما يزيد من حجم الأزمة الإنسانية ويهدد حياة الأطفال والنساء وكبار السن. وقد ترك هؤلاء السكان قراهم ومواردهم الزراعية، بينما يستمر القصف والهجمات في مناطقهم الأصلية، مما يحرمهم من العودة أو استعادة حياتهم الطبيعية.

ويشير مراقبون إلى أن هذا التهجير القسري على نطاق واسع يمثل أحد أخطر تداعيات الصراع في دارفور، ويضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية عاجلة للتدخل لتوفير الحماية الإنسانية، ويزيد من تعقيد جهود الاستقرار في المنطقة.

الدور الإماراتي وفق التقارير الدولية

تشير تقارير أممية وصحفية مستقلة إلى أن الإمارات قدمت دعمًا لوجستيًا وعسكريًا لقوات الدعم السريع في دارفور، بما في ذلك إمدادات ومعدات عبر مطارات دول مجاورة.

وفق المصادر نفسها، ساهم هذا الدعم في تمكين قوات الدعم السريع من السيطرة على مناطق واسعة في الإقليم، وإعادة رسم خريطة النفوذ بشكل واضح.

ومن جانبها، نفت أبوظبي رسميًا أي دور عسكري مباشر في السودان، مؤكدة أن تدخلها ينحصر في المساعدات الإنسانية وجهود الوساطة السياسية. ويشير خبراء إلى أن التباين بين المعلومات الميدانية والتصريحات الرسمية يضيف طبقة من التعقيد على فهم التحركات الإقليمية في السودان.

للإمارات سوابق في دعم جماعات ومليشيات متعددة؛ فقد اعتمدت أبوظبي على الميليشيات في سوريا عام 2013، مروراً بدعم ميليشيا المتعاونين مع العدو الاسرائيلي باسم ياسر ابو شباب والمجموعات الثلاثة الأخرى في غزة 2025، دعمتها لوجستيًا وماليًا في مناطق تقع تحت السيطرة الإسرائيلية، مرورًا بليبيا واليمن والصومال والسودان. هذا الدور الإقليمي يمتد أيضًا إلى سوريا خلال أزمات النظام قبل سقوطه، ما يعكس استراتيجية ثابتة في التعامل مع الجماعات المسلحة لتحقيق مصالح جيوسياسية.

انعكاسات على المصالح المصرية

يرى محللون أن توسّع نفوذ قوات الدعم السريع في غرب السودان يشكل تحديًا مباشرًا للأمن القومي المصري، خصوصًا في العمق الاستراتيجي جنوبًا، إذ تُعد دارفور ممراً يؤثر على خطوط الدفاع والمصالح الحيوية لمصر.

وبحسب خبراء، واجهت القاهرة تحديًا مزدوجًا: دعم الجيش السوداني كمؤسسة مركزية، مع تجنب الانخراط المباشر في صراع طويل قد يؤدي إلى استنزاف الموارد. ويضيف المراقبون أن التدخلات الإقليمية المتباينة تجعل من الضروري إعادة تقييم السياسات المصرية تجاه الجنوب السوداني لضمان حماية المصالح الوطنية وموازنة النفوذ الإقليمي.

قبل الأزمة السودانية، نجت مصر من خطر الانزلاق إلى مستنقع عسكري في ليبيا عام 2020، حيث كانت الإمارات الدافع الأكبر في هذا التوتر، في مواجهة غير مباشرة مع تركيا التي نقلت عددًا كبيرًا من المقاتلين الإسلاميين من شمال سوريا إلى غرب ليبيا. وتبع ذلك إعلان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خط سرت-الجفرة كمنطقة حيوية أو خط أحمر، وقد نجح الجيشان المصري والتركي، بدعم تدخل أطراف داخل الدولتين وأخرى إقليمية ودولية، في تهدئة الوضع وتحقيق تسوية إقليمية أوسع.

قبل ذلك، تورطت أبوظبي في ملف سد النهضة الإثيوبي، بإقناع الرئيس المصري بالتوقيع على اتفاق المبادئ الذي منح النظام الإثيوبي السند القانوني لإتمام بناء السد دون ضمان الحقوق المصرية. وقد قاد هذا الدور الإماراتي محمد دحلان مستشار ولي العهد آنذاك، ما أدى إلى جر مصر لعمليات تفاوض استمرت سنوات، وتم خلالها فرض واقع جديد دون توقيع أي حقوق واضحة لمصر. ويُنظر إلى هذا السد الآن كـورقة ضغط استراتيجية على مصر والسودان، الذي غرقت قراه عدة مرات بسبب تأثيراته، حتى مع غزارة الأمطار ووجود السد العالي.

ويرى مراقبون أن هذه العلاقة المشوهة بين مصر وأبوظبي تشكل خطرًا كبيرًا على الأمن القومي المصري، خصوصًا في ظل التحالف القوي بين الإمارات وتل أبيب. وتشير التقارير إلى أن هذا التحالف دعم خططًا إقليمية مثيرة للجدل، بما في ذلك دعم جماعات مسلحة في شمال سيناء مثل عصابات أبو شباب، التي تضم عناصر قاتلوا الجيش المصري. ورغم ذلك، استفادت الإمارات من معاملة خاصة في شمال سيناء، شملت تأجير جزء كبير من نادي القوات المسلحة في العريش، وتخصيص مخازن وإدارة خاصة بها، ومنحها أولوية على المعابر الحدودية.

السياق الإقليمي والتدخلات الخارجية

تظهر الأزمة في دارفور ضمن نمط أوسع للتدخل الإقليمي في النزاعات المحلية، حيث اعتمدت بعض القوى على دعم جماعات محلية لتحقيق مصالح سياسية وجيوستراتيجية. وقد رصد مراقبون هذا النمط في مناطق أخرى، بما في ذلك غزة، وفق تقارير غربية وإقليمية، دون تبني أو تأكيد مباشر للاتهامات.

ويرى خبراء أن هذا النمط من التدخل يزيد من صعوبة جهود التهدئة، ويضع الدول المجاورة، مثل مصر، أمام تحديات كبيرة تتعلق بأمن الحدود والمصالح الاستراتيجية.

التحولات السياسية والعسكرية في دارفور

السيطرة على الفاشر لم تحدث بين ليلة وضحاها؛ إذ جاءت بعد حصار طويل ومعاناة إنسانية، وتمثل اليوم قلب الصراع في دارفور.

ويشير خبراء إلى أن السيطرة على المدينة تمنح قوات الدعم السريع موقعًا تفاوضيًا أقوى، وتسمح بالضغط على الحكومة المركزية في الخرطوم. في الوقت نفسه، قد يؤدي ذلك إلى تصعيد في الهجمات الجوية والعمليات الميدانية، خصوصًا مع استخدام الجيش للطائرات المسيّرة لمحاولة استعادة المواقع الحيوية.

السيطرة على الفاشر تجعل قوات الدعم السريع تتحكم فعليًا في الشريط الغربي لدارفور، وتتيح لها النفوذ على ولايات كردفان والشمالية وامتداداتها الحدودية مع تشاد وليبيا وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان. ويرى محللون أن هذه السيطرة تمنحها قدرة تفاوضية أكبر في أي تسوية محتملة، كما تزيد من التعقيد في المشهد العسكري والسياسي للسودان.

الدروس من التجارب السابقة

تشير التحليلات إلى أن مصر تعاملت مع سيناريوهات مشابهة في ليبيا عام 2020، حيث تجنبت الانخراط المباشر رغم المخاطر، مفضلة العمل عبر الوسائل الدبلوماسية والموازنة بين القوى الإقليمية.

كما أظهرت التجارب السابقة، مثل ملف سد النهضة في إثيوبيا، أن الانخراط في أزمات إقليمية معقدة دون ضمانات قوية يمكن أن يضع القاهرة في موقف تحديات استراتيجية طويلة الأمد.

تسلط الأحداث في الفاشر ودارفور الضوء على تعقيدات الصراع السوداني وارتباطه بالمصالح الإقليمية، خاصة دور الإمارات كما ورد في تقارير أممية وصحفية مستقلة. ويشير محللون إلى أن مستقبل السودان مرتبط بمدى قدرة الأطراف المحلية والإقليمية والدولية على التوصل إلى تسوية سياسية شاملة توقف القتال وتحمي المدنيين، بينما تستمر القوى الإقليمية في تحريك مصالحها وجيوسياساتها، ما يجعل المشهد مفتوحًا على احتمالات متعددة.

مصدر الصورة (حقوق النشر Muhnnad Adam/Copyright 2025 The AP. All rights reserved)

-هذا التقرير من إعداد هيئة تحرير موقع جمهورية فلسطين

Shares:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *