كتب عمر النادي:

منذ السابع من أكتوبر 2023، تزايدت الإجراءات الأمنية الإسرائيلية بحق المواطنين العرب داخل الخط الأخضر، في سياق ما وصفته مؤسسات حقوقية بأنه «حملة استدعاءات واعتقالات واسعة» طالت كتّابًا وناشطين وطلبة وموظفين، بسبب منشورات أو مواقف عبّروا عنها تضامنًا مع غزة.


منظمة عدالة (Adalah)، المتخصصة في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين داخل إسرائيل، وثّقت منذ الأيام الأولى للأحداث عشرات حالات الاعتقال والتحقيق على خلفية التعبير عن الرأي. وأشارت المنظمة إلى أن عدداً من الموقوفين خضعوا لتحقيقات مطوّلة، بينما حُوّلت بعض القضايا إلى لوائح اتهام جنائية.


ووفق تقارير إعلامية دولية، بينها وكالة رويترز، فإن الشرطة الإسرائيلية اعتقلت في منتصف أكتوبر 2023 ما لا يقل عن مئة مواطن عربي، بتهم تتعلق بـ«التحريض» أو «دعم الإرهاب» عبر مواقع التواصل الاجتماعي. هذه التقديرات الأولية رجّحت أن أعداد من تم استدعاؤهم أو التحقيق معهم تجاوزت المئات خلال الأسابيع الأولى التي أعقبت هجوم 7 أكتوبر.


من بين الحالات البارزة التي حظيت بتغطية إعلامية، استدعاء الفنانة دلال أبو آمنة عقب منشور تضامني نشرته على صفحتها في وسائل التواصل الاجتماعي، ما أثار نقاشًا واسعًا حول حدود حرية التعبير داخل إسرائيل. وفي نوفمبر 2023، تم توقيف عدد من الشخصيات السياسية من القوائم العربية لفترات قصيرة، من بينهم سامي أبو شحادة ومحمد بركة وحنين زعبي، أثناء مشاركتهم في فعاليات احتجاجية. كما شهدت بلدة عين ماهيل في الجليل الشمالي اعتقالات على خلفية شبهات أمنية متعلقة بالتواصل مع جهات خارجية، بحسب بيانات الشرطة.


لم تقتصر الإجراءات على النشطاء والسياسيين، بل امتدت إلى الجامعات والمؤسسات العامة. ووثّقت منظمات حقوقية حالات طلاب وموظفين تم التحقيق معهم أو فصلهم من أعمالهم بسبب منشورات تضامنية. وفي بعض الجامعات، فُتحت تحقيقات تأديبية بحق طلبة على خلفية منشورات شخصية على وسائل التواصل الاجتماعي.


ويعاني المجتمع العربي في إسرائيل منذ عقود من فجوات واضحة في مجالات التعليم والتوظيف والبنية التحتية. وتشير تقارير مركز تاوب للأبحاث الاجتماعية إلى استمرار هذه الفوارق في التمويل والتنمية بين البلدات العربية واليهودية. ومع اندلاع الحرب في غزة، تأثرت قطاعات العمل بشدة، حيث فقد العديد من العمال العرب وظائفهم نتيجة التوترات الأمنية والتضييقات غير المعلنة.
في موازاة ذلك، تواصل ارتفاع معدلات الجريمة والعنف المنظّم داخل البلدات العربية خلال عامي 2023 و2024، وهي ظاهرة تربطها مراكز أبحاث بضعف إنفاذ القانون وانتشار السلاح غير المرخّص. ويحذّر خبراء من أن هذا الواقع الأمني المتدهور يزيد من هشاشة المجتمع العربي ويُضعف الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة.


منظمات محلية ودولية أعربت عن قلقها من تزايد القيود على حرية التعبير داخل إسرائيل، خصوصًا بعد أكتوبر 2023، معتبرة أن ملاحقة مواطنين بسبب آرائهم أو منشوراتهم تُعدّ انحرافًا عن المعايير الديمقراطية التي تتبناها الدولة رسميًا. وترى هذه الجهات أن الإجراءات الأخيرة خلقت مناخًا من الخوف والرقابة الذاتية لدى المواطنين العرب.


ويواجه الفلسطينيون في الداخل معادلة صعبة بين الانتماء القومي الفلسطيني والمواطنة القانونية الإسرائيلية. ويرى باحثون أن الأحداث الأخيرة عمّقت هذا التوتر، وأظهرت حدود المساواة القانونية الفعلية داخل الدولة، ما يثير تساؤلات حول مستقبل المشاركة السياسية والاجتماعية للعرب في إسرائيل.


تمثل التطورات التي أعقبت السابع من أكتوبر محطة مفصلية في علاقة الدولة الإسرائيلية بمواطنيها العرب. فما بين التضييق الأمني والتحديات الاقتصادية والاجتماعية، يقف المجتمع العربي أمام واقع جديد تتراجع فيه مساحة حرية التعبير، وتتعمّق فيه أزمة الهوية والانتماء في ظل بيئة سياسية وأمنية شديدة التوتر.

Shares:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *