فارس فايز – جمهورية فلسطين
الخواجا: نحو وحدة الموقف المقاوم من أجل استمرار تحقيق نقاط في مواجهة العدو
برهوني: محور المقاومة يجب إعادة بنائه وتوسيعه دوليًا
لم تكن فلسطين مجرد عنوان عابر في نشرات الأخبار، منذ ما يزيد عن عامين، بل تحوّلت إلى محفّز سياسي أعاد تشكيل خرائط الوعي والحراك الجماهيري في الغرب؛ فقد فجّرت أحداث 7 أكتوبر وما تلاها من إبادة ممنهجة متلفزة في غزة موجة غير مسبوقة من التضامن في أوروبا والأمريكيتين، أعادت إلى الواجهة حضور القوى اليسارية والتقدمية والاشتراكية، وأطلقت ديناميكية سياسية جديدة تجاوزت حدود الدعم التقليدي للقضية الفلسطينية كان من شأنها تدويل النضال الوطني التحرري الفلسطيني في مواجهة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني.
هذا التحوّل لم يكن ظرفيًا؛ بل تراكمت جذوره في علاقة تاريخية بين حركات التحرّر العالمية وحركات التحرر الوطنية الفلسطينية، ليتحوّل التضامن بعد 7 أكتوبر من فعل احتجاجي عابر إلى بُنية مؤسسية قادرة على إعادة إنتاج تحالفات جديدة، وتغيير الوعي والرأي العام الغربي.
تأثير 7 أكتوبر على حضور القوى التقدمية عالميًا
مما لا شك فيه أن السابع من أكتوبر وما تلاه من مواجهة واحتدام الصراع بين المقاومة الفلسطينية بمكوناتها وقوات الاحتلال الصهيوني، وما ارتكبته من جرائم ومجازر وتطهير عرقي بحق الشعب الفلسطيني، قد ساهم إلى درجة كبيرة في تعزيز حضور القوى اليسارية والتقدمية والاشتراكية، والسبب في ذلك وفقًا للأمين العام لحزب الوحدة الشعبيةالديمقراطي الأردني، الدكتور عصام الخواجا؛ أن هناك علاقة تاريخية ما بين هذه القوى في العالم كقوى أممية داعمة لنضال الشعب الفلسطيني ولحركات التحرر الوطني الفلسطيني وداعمة لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإنهاء آخر احتلال، وآخر استعمار استيطاني مباشر تعيشه البشرية هو المشروع الصهيوني المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية والامبريالية بشكل عام وكل مكوناتها، وهو الاحتلال الصهيوني لفلسطين؛ فهذه العلاقة التاريخية نابعة من منطلق فكري ونظري وهو حق الشعوب في تقرير المصير. وبالتالي يأتي هذا التضامن في سياق طبيعي لمواقف هذه القوى بدعم نضال الشعب الفلسطيني.
لكن المستجد اليوم هو أن حجم المواجهة وحجم الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني والإبادة الجماعية والتيامتدت على ما يزيد عن العامين ولا تزال حتى الآن مستمرة أدت إلى تنامي هذا التحرك من فعل تضامنيتلقائي يحدث في أكثر من محطة تاريخية وتحوله إلى حالة مؤسسية ثابتة وراسخة على مدى أكثر من عامين.
وعن هذا التحوّل، يشرح الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية، أنه كان من خلال نشوء أطر جديدة للتنسيق بين مختلفهذه القوى بمختلف اتجاهاتها حتى الفكرية، التي تجتمع وتقف على أرضية اليسار أو أرضية الفكر التقدميوالاشتراكي، نتج عنها آليات تنسيق مؤسسية ثابتة مستقرة وتحدد النشاطات، ترافق ذلك مع تراجع دور وسائل الإعلامالتقليدية التي كان يهيمن عليها الإعلام الصهيوني والإعلام الرأسمالي وتراجع تأثيرها في تحريك الرأي العام، فضلًا عن أن وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام البديل أصبحت المصدر الرئيسي للمعلومة، وأصبحت المحرك الرئيسيلقطاعات جماهيرية واسعة.
وعلاوة على ما سبق، أسهمت الخلفية النظرية والسياسية الموجودة عند هذه القوى التقدمية تجاه حق تقرير المصيروتضامنها مع الشعب الفلسطيني، والعلاقات التاريخية التي كانت تربط مختلف هذه القوى أو على الأقل مكوناتأساسية منها في مختلف القارات مع حركات التحرر الوطني الفلسطيني، وبشكل رئيسي مع قوى اليسار الفلسطيني، بالإضافة إلى طبيعة الأحداث وطبيعة الصراع الدموي المتمثل بالإبادة الجماعية الموثقة التي جعلت الرأي العام العالميقادرًا على رؤية الحقيقة ورؤية المجازر ورؤية الإبادة دون أي تشويه لحقيقة الصراع، خاصة أن قطاعات واسعة من هذهالمجتمعات تحمل فكرًا ديمقراطيًا وتؤمن بالحرية وتؤمن بحقوق الإنسان أي أن هناك منظومة قيمية موجودة بني عليهاالإطلاع على هذا الواقع الذي عاشته غزة وعاشته فلسطين، أسهمت كل هذه العوامل في أن تتبوأ هذه القوى دورًا وتأثيرًا أوسع في هذه المجتمعات.
ويستدرك الدكتور عصام، “نحن نتحدث عن مجتمعات لديها هامش ديمقراطية وحرية التعبير واسع، وتتواجد فيها البنى التنظيمية والهياكل التنظيمية النقابية والعمالية على صعيد الطلاب والمؤسسات المجتمع المدني والأحزاب، ونتحدث عن مجتمعات هامش الحرية والتنظيم فيها عميق وواسع ومنتشر ومؤثر ومقرر في الحياة السياسية ليس كماهو الحال في واقعنا العربي؛ حيث إن كل هذه الحالة الديمقراطية التي تعيشها أوروبا أو حتى الولايات المتحدةالأمريكية داخليا وإمكانية التعبير تتيح لهذه القوى أن تتحرك ويكون هامش التحرك أوسع وبالتالي تكون مؤثرة وبنفسالوقت تعزز حضورها في الواقع المجتمعي والجماهيري.”
ويضيف الخواجا، “هناك أثر مهم ومباشر له علاقة بتأثير هذه القوى في وعي الشباب والطلاب ورأينا كيف أن الإبادةفي غزة حركت الجامعات وحركت الطلبة في الجامعات وعشنا ما يمكن أن نسميه بالانتفاضة، انتفاضة الجامعات، وهذا شأن له بعد عميق وله معنى كبير لأنك تحدث تحولًا في وعي القطاع الذي سيقود هذه المجتمعات على المديين المتوسط والبعيد، وبدأنا نشهد ارتدادات تنامي هذا الوعي في كشف زيف فزاعة الهولوكوست، والتي كانت تشكلسابقًا عائقًا أمام أي تحرك تضامن مع الشعب الفلسطيني، أما الآن لم يعد الأمر كذلك وهناك جرأة ووعي بأن هذهالفزاعة هي محض أكذوبة، وتمثّلت باستخدام فكرة أنه في واقع الأمر ارتكبت النازية جرائم في أوروبا، وليس فقط ضداليهود، وإنما ضد شعوب أوروبا كاملة، وضحايا النازية في أوروبا تجاوزوا50 مليون قتيل وضحية، وجزء من هؤلاء كاناليهود في أوروبا، لكن نسبتهم كانت الأقل.
إذن نحن أمام جملة من العوامل التي أدت لأن تتوسع المساحة المتاحة أمام هذه القوى اليسارية والتقدمية والاشتراكيةفي أوروبا وأمريكا، والعالم بشكل عام، وأصبحت تعبر عن قضايا دخلت وأثرت في وجدان الناس، وتحول هذا الموقفإلى موقف مبني على وعي بحقيقة الصراع وعلى حقيقة الإطلاع على الرواية الحقيقية للصراعالتاريخي بين الشعب الفلسطيني وقوى المقاومة كحركات تحرر وبين الاحتلال الصهيوني كقوةاستعمارية احتلالية إحلالية جاثمة على أرض فلسطين.”
من جانبه، يؤكد الباحث والكاتب الإيرلندي، لويس برهوني، أن عمليات المقاومة في 7 أكتوبر لم تأت من فراغ؛ فقد كان للإمبريالية العالمية، وبالأخص الإمبريالية البريطانية، دور محوري في خنق غزة وتهيئة الظروف التي أدت إلى هذا الانفجار؛ فقد شاركت في محاولات عزل غزة بعد وقبل فوز حركة حماس في انتخابات 2006، فيما اتجهت الطبقة الحاكمة في بريطانيا إلى استهداف الحركة المؤيدة لفلسطين، وتشويه النشطاء، وتشديد ما يسمى بتشريعات “مكافحة الإرهاب”. وقد ساهمت حكومتا حزب العمال والمحافظين معًا في خلق هذا المناخ الرجعي.
ويضيف برهوني قائلًا؛ “أدّى الفصل الذي شهدناه مؤخرًا من الإبادة الجماعية إلى تصعيد حدة المواجهة مع الدولة البريطانية، التي تواصل دعمها للنظام الصهيوني باعتباره أداة لحماية مصالحها الإمبريالية في المنطقة. وقد ترافق التضامن الشعبي مع تطوّر واسع في الوعي السياسي، خاصة لدى المشاركين المسلمين والسود وأبناء الطبقة العاملة، الذين يُظهرون بوادر تشكيل طليعة حقيقية للمقاومة داخل بريطانيا. ورغم أن بناء حركة مناهضة للإمبريالية على أسس ثورية لم يتحقق بعد، فإن الجيل الجديد يرفض إلى حد كبير التكتيكات الفاشلة لليسار البريطاني البرجوازي الصغير، الذي ارتبط تاريخيًا بالحزب العمّالي الإمبريالي. ويعبّر الشباب باستمرار عن غضبهم من تأييد حزب العمال للصهيونية، بما يشير إلى إمكانات كبيرة لمواجهة أعمق مع الدولة البريطانية.”
وفي أوجه التشابه بين النضال الإيرلندي والنضال الفلسطيني، يرى الباحث الإيرلندي أنه تمامًا مثل النضال التحرري الإرلندي الذي سبق هذا اليوم، شكّل 7 أكتوبر اختبارًا حقيقيًا لمصداقية كل من يصف نفسه بالاشتراكي أو المناهض للإمبريالية؛ فقد سارعت القوى القديمة مثل “يسار” حزب العمال، و“الاشتراكيين” و“الشيوعيين” من الطبقة الوسطى، وحزب الخضر، وغيرهم، سارعوا إلى إدانة المقاومة، في الوقت الذي تُمنح شخصيات مثل جيريمي كوربن منصّات رسمية خلال التظاهرات، هذه الشخصيات التي تعارض الكفاح المسلّح وتستمر في الدفاع عن حل الدولتين المُفلس. ومن اللافت أنّ كوربن يواجه اليوم تحديًا من زارا سلطانة، وهي إحدى أبرز وجوه حزب “Your Party”، والتي تطرح سياسة مختلفة جذريًا: اشتراكية، مناهضة للإمبريالية، ومناهضة للصهيونية بشكل صريح؛ وهذه التوجهات التي يجب أن يعمل كل الداعمين المبدئيين للقضية الفلسطينية على تعزيزها.
هل أسهمت “خطة ترامب للسلام” في تفكيك الزخم الشعبي بعد 7 أكتوبر؟
يرى بعض المحللين أن “خطة ترامب للسلام” لعبت دورًا في تخفيف الزخم الشعبي وسحب البساط من تحت أقدام القوى التقدمية ومنعها من المحافظة على زخم حضورها كقوى وحضور قضية النضال الفلسطيني في العالم، وهو الأمر الذي لا يتفق معه الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية، إذ يرى أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي كان نتاج مبادرة ترامب أدى لوقف حجم الاستهداف والقتل والتدمير والإبادة بالشكل الذي كان قائم حتى تاريخ توقيع الاتفاق وسريان وقف إطلاق النار؛ فالحدث بحد ذاته تراجع بالرغم من أن الاحتلال الصيوني لم يتوقف عن ارتكاب المجازر والقتل اليومي والتدمير، ولم يتوقف عن إعاقة دخول المساعدات، ولا يزال يبتز ويرتكب الجرائم ويهدم ويتوغل في بعض المناطق، لكن أصبح هناك حديث عن وقف إطلاق النار والمقاومة الفلسطينية متمسكة بالتأكيد باستمرار وقف إطلاق النار وعدم إعطاء أي ذرائع أو أي مبررات من أجل إلغاء هذا الاتفاق، في الوقت الذي يحاول فيه الصهاينة ونتنياهو بشتى السبل اختلاق ذرائع من أجل العودة أو التصعيد، ويحاولون بنفس الوقت تكريس حالة الانتهاكات المستمرة بدرجات أقل، حتى لو لم يتمكنوا من إعادة الأمور بحجم العدوان الذي كان في الفترة التي سبقت وقف إطلاق النار،لكن استمرار القتل والاستهداف والإعاقة للمساعدات والابتزاز والضغط على شعبنا الفلسطيني في غزة لأهداف أخرى وفي مقدمتها موضوع التهجير.
ويتابع الدكتور عصام تعليله، قائلًا: “كون زخم المواجهة تراجع قليلًا، فبالتأكيد لن تكون التحركات الشعبية في أوروبا بنفس الزخم الذي كان سابقًا، فأعتقد أن قراءة المشهد ستكون من هذا الزاوية؛ من زاوية تراجع زخم المشهد في غزة سيؤدي بالضرورة إلى تراجع في حجم وكم الحراك الشعبي العالمي، بشكل رئيسي لأنه يقوده قوى اليسار والقوى التقدمية. لكن أعتقد أن هناك شيء ترسخ في وعي هذه القوى وهو أن القضية الفلسطينية أصبحت جزءًا من قناعات قطاعات واسعة تجاوزت القوة اليسارية إلى حالة مجتمعية متضامنة مع الشعب الفلسطيني، حالة مجتمعية تدين الإبادة، وتدين الجرائم، وتدين التطهير”.
وبالحديث عن هذا الوعي، يضيف الأمين العام لحزب الوحدة أنه “قد يكون في ذلك مكسب لصالح هذه القوى اليسارية بدأنا نشهد آثاره في الانتخابات في أكثر من بلد، وأبرز حدثين هما ما حدث في إيرلندا، وما حدث في انتخابات عمدة مدينة نيويورك، وهناك أيضًا انعكاسات في بعض الدول الأخرى قد لا تتناولها وسائل الإعلام، لكن هذا الموضوع سيكون له أثر في المرحلة القادمة، ففي الوقت الذي تسجل فيه أوروبا صعود اليمين المتطرف، نرى في بعض الأماكن استعادة الدور من قوى يسارية واضحة في تضامنها مع القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني.
وفي هذا السياق، يتفق الباحث والكاتب الإيرلندي، لويس برهوني، مع رؤية الخواجا، ويرى أننا شهدنا هذا المشهد سابقًا في الحركات المناصرة لفلسطين والمناهضة للحروب الإمبريالية، حيث يتبع التهدئة الظاهرية للأحداث مرحلة من تفكيك التعبئة الشعبية. أما من يتابع القضية عن قرب، فيدرك أن النضال مستمر في ظروف متغيّرة؛ كما يرى أن “خطة ترامب لتقسيم غزة وتهدئتها ونزع سلاحها تمثل محاولة من الإمبريالية للتدخل المباشر بعد فشل الصهاينة”، بهدف تصفية المقاومة الفلسطينية بوسائل أخرى. وقد حظيت الخطة بدعم من الإمبرياليين في حزب العمال البريطاني بدون تفكير، فيما يشير وجود مجرم الحرب توني بلير إلى إخفاقات الحركات السابقة. لذلك، لا يزال التصدي لحزب العمال القضية المركزية لكل التقدميين في بريطانيا.
أما عن الحراك في بريطانيا اليوم، يقول برهوني إنه يأخذ شكل مسيرات رسمية متقطعة في لندن وهو أمر غير كافٍ مطلقًا، ويشدد على أن “الغضب الثوري لدى الفئات الأكثر تهميشًا يجب أن يتحول إلى حملات قوية للمقاطعة وفرض العقوبات على الكيان الصهيوني“. وقد رأينا مؤخرًا خروج السودانيين إلى الشوارع احتجاجًا على دعم بريطانيا لحرب الإبادة، بالتوازي مع تحركات أخرى للدفاع عن اللاجئين والمهاجرين ضد عنف العنصريين في الشوارع. ولكن بحسب برهوني “يبقى السؤال: كيف يمكن جمع هذه الحملات ضمن إطار تنظيمي نضالي يتيح لها إحداث أثر فعلي؟“
ويجيب الباحث والكاتب الإيرلندي على تساؤله، قائلُا: “بالنظر إلى تاريخها في دعم حركات التحرر الوطني، ومساندة الدول الاشتراكية، والدفاع عن الطبقة العاملة، أرى أن منظمة الشيوعيين الثوريين تمتلك أفضل موقع لقيادة هذه الحركات سياسيًا داخل بريطانيا. ومع قيادتها الجديدة المنبثقة من هذه الفئات العمالية والطلابية الراديكالية، تعمل المنظمة على تثقيف أعضائها بالنظرية الماركسية-اللينينية، وتحافظ على موروثها في التنظيم الدؤوب.”
أدوات المقاومة للمواجهة بعد 7 أكتوبر
بعد مرور أكثر من عامين على عملية 7 أكتوبر، ومع استمرار الإبادة المتلفزة أمام مرأى العالم، ومع كل محاولات إعادة هندسة المشهد السياسي الفلسطيني عبر “خطط سلام” بمعايير إمبريالية أميركية تهدف في جوهرها إلى تدويل الاستعمار الاستيطاني الصهيوني، يُلحّ علينا سؤال اليوم: ما الذي تملكه المقاومة للتصدي لهذه المخططات؟
وفي معرض الإجابة عن هذا السؤال المُلحّ، يشرح الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية أنه عند الحديث عن حركات التحرر فإن ميزان القوى دائمًا ما يكون لصالح الأعداء، وفي حالتنا بشكل محدد هي لصالح الكيان الصهيوني،لصالح الامبريالية الأمريكية والمكونات الأخرى لهذه الامبريالية على الصعيد العالمي، من دول تساند هذا الاحتلال بالعتاد والسلاح والتقنيات وكل ما يحتاج، والمعلومات والجوانب الاستخبارية وغير ذلك.
ويحدد الخواجا أدوات المقاومة بكونها، أولًا وحدة موقف قوى المقاومة. ثانيًا، التمسك بالحق في المقاومة، والتمسك بثقافة المقاومة، التمسك بكل شكل من أشكال المقاومة المتاحة وضمن ما تسمح به موازين القوى، فضلًا عن عدم التنازل عن الثوابت والحقوق، واستمرار تحقيق نقاط في مواجهة هذا العدو.
وهنا، يرى الدكتور عصام أنه على الرغم من الضربات الموجعة التي تلقتها قوى المقاومة والتي أضعفت بشكل أو بآخر قدراتها، لكنها لم تكسر إرادة المقاومة لديها، ولم تفقد القدرة على الوقوف بوجه هذا العدو، وبوجه التحالف المعاديالإمبريالي الصهيوني والذي يحظى بتواطؤ رجعي عربي. لكن نحن نتحدث عن مواجهة لن تحسم بالضربة القاضية لأن ميزان القوى ليس لصالح قوى المقاومة، وإنما ستحسم بتراكم النقاط وإضعاف هذا التحالف من داخله وفي داخله.
ومن أكبر العقبات التي تواجهها قوى المقاومة ومحور المقاومة، بحسب الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية هي “موقف الأنظمة العربية التي لم تكن في يوم من الأيام، على الأقل الدول المتنفذة الآن في واقعنا العربي، مع فكرة المقاومة، ولم تدعم المقاومة، وبالتالي هي تسهل على هذا التحالف أن يقوم بمهماته دون أن تمارس أي شكل من أشكال الضغط، رغم الأوراق القوية التي لديها، سواء الاقتصادية أو المالية أو التجارية، والتي تستطيع استخدامها لو امتلكت الإرادة والقرار المستقل، لاستطاعت أن تجبر هذا التحالف الأمريكي الصهيوني على أن يرتدع وأن يتوقف عن كل ما يرتكبه بحق الشعب الفلسطيني، ولتمكنت من فرض حلول قد تكون مقبولة مرحليًا بالمعنى السياسي، لكن للأسف تقف هذه الأنظمة إما متواطئة أو شريكة بشكل مستتر، أو تتخذ موقف اللامبالاة لما يحدث.”
في هذا المشهد، أيضًا، نجد أن منظومة الدول الغربية الرأسمالية بالرغم أن بعضها قادتها، أو بعض الأصوات التي تتحدث باسم تلك الدول، في محطات احتدام المواجهة وتصاعد مظاهر الإبادة والجرائم التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني، انتقدوا ما يقوم به الاحتلال الصهيوني، لكنهم بنفس الوقت، وفي الممارسة العملية، كانوا يتغاضون عن الكم الكبير من الجرائم والانتهاكات التي يرتكبها هذا الكيان يوميًا، حتى أنهم يتنكرون لمنظومة قيمية وقانونية موجودة في دساتيرهم وأنظمتهم لا يُفعّلونها عندما يتعلق الأمر بالاحتلال، وبالتالي هم بشكل أو بآخر يحفزون هذا الاحتلال على ارتكاب المزيد من الجرائم، لأنه لا يجد له رادعًا ولا ناقدًا قد يؤثر على مصالح هذا الاحتلال وعلاقاته مع هذه الدول؛ فحظر الدعم العسكري، والتعاون في المجال العسكري مع الاحتلال كان محدودًا جدًا في بعض المحطات،ولم يتحول إلى حالة شاملة يمكن أن تضغط على الاحتلال من أجل وقف جرائمه، والجسر الجوي لدعم هذا الكيان على مدى أكثر من عامين، لذلك؛ هي لا تدعمه فقط، إنما توفر له الغطاء وتحفزه على ارتكاب مزيد من الجرائم لأن هذا الكيان يعلم أن هذه الدول لن تتصدى له، ولن تكون جزءًا من منظومة قانونية حقوقية دولية تقف في مواجهته وتضعه في قفص الاتهام وتجبره على التراجع عن سياساته.
من جهته يرى الباحث والكاتب الإيرلندي أن اتخاذ فصائل المقاومة موقفًا موحدًا ضد الوصاية الخارجية ونزع السلاح، وأمام خطة ترامب المدعومة من الإمبريالية والقوى الرجعية في المنطقة والبرجوازية الفلسطينية، يُعد تطورًا مهمًا؛ فقد كشف قرار مجلس الأمن التابه للأمم المتحدة 2803 بشكل كامل محور القوى المرتبطة بالإمبريالية. أما الإمبريالية البريطانية فتضع رهانها على إعادة تسليح السلطة الفلسطينية، لتكون أداة جديدة تدعم النظام الصهيوني عبر عنف متجدد؛ وهكذا ينكشف حل الدولتين كسياسة استعمارية جديدة.
ويستدرك قائلًا: “كان البعض يظن أن تركيا وقطر ومصر تقف “في صف فلسطين”، لكن الواقع يقول إن هذا الدعم ليس إلا طعنة في الظهر، تضع هذه الأنظمة في موقع واحد مع الرجعية الصريحة التي تحدث عنها غسان كنفاني، ممثلة في السعودية والأردن. ولم يكن للقرار أن يمرّ لولا امتناع الصين وروسيا عن استخدام الفيتو، وهو ما يستدعي الشك في كل الادعاءات التي تصوّر هذه الحكومات كقوى تقدمية.”
وعمّا أسماه “محور الرجعية” يتابع لويس برهوني قائلًا: “إن محور الرجعية المناهض للثورة الفلسطينية واسع وقوي. لكن قوى المقاومة تعيد تجميع صفوفها في كامل المنطقة: من الضفة الغربية المحتلة إلى لبنان واليمن، ومن شباب المغرب المؤيد لفلسطين. وفي أمريكا اللاتينية نرى أن الاشتراكية حين تصبح واقعًا اجتماعيًا، تتحوّل الأممية إلى سياسة وطنية: فمواقف كوبا وفنزويلا تُلهِم الآخرين. أما في قلب الإمبريالية، بريطانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، فقد أصبحت راية فلسطين رمزًا لجيل جديد غير مقيد بالاشتراكية الديمقراطية الانتهازية.”
ويختم برهوني قائلًا: “المسألة مُلحّة، وطاقة هذه الأجيال يجب أن تُستثمر: فمحور المقاومة يجب إعادة بنائه وتوسيعه دوليًا.”





