أصدرت عدة جمعيات ومؤسسات فلسطينية في أوروبا بياناً أكدت فيه أن “بقاؤنا نقاوم هو نصف الانتصار، الهزيمة في الاستسلام”، مشيرة إلى أنه مع سريان وقف إطلاق النار في قطاع غزة تدخل حرب الإبادة الصهيونية ضد شعبنا مرحلة جديدة، سيعمل فيها العدو على استكمال تحقيق أهداف العدوان، التي لا تتوقف عند سحق المقاومة المسلحة في القطاع وتجفيف مواردها، بل تهدف إلى القضاء على إمكانية الحياة في القطاع واختزال ساكنيه في احتياجات الغذاء والدواء والمأوى الأولية، تمهيدًا لتحويل إخراجهم واستيعابهم إلى قضية إنسانية دولية، والتحول إلى ابتلاع ما تبقى من الضفة الغربية،.
وأضافت الجمعيات أنّه تسعى في مآلاتها إلى تفكيك الكيان الجمعي الفلسطيني كله بالقضاء أولاً على حامله المركزي، أي فصائل المقاومة، والدفع بمن لم يرحل طوعا من فلسطين إلى العيش في معازل خاضعة تماما للإرادة والاحتياجات الإسرائيلية في كل التفاصيل، في حين تتولى دول الشتات إخراج التجمعات الفلسطينية فيها من نطاق المواجهة وحصر ما تبقى من وجودها المنظم في حالة تضامن في أحسن الأحوال. إن وقف إطلاق النار بصورته الحالية يخلص إسرائيل من عبء الحرب السياسي وتبعاتها في المجتمع الدولي بقبول وقف الحرب شكلا، مع استمرارها في مشروعها مضمونا وممارسة بغطاء سياسي دولي وعربي.
نص البيان كما ورد:
بيان صادر عن جمعيات ومؤسسات فلسطينية في أوروبا:
بقاؤنا نقاوم هو نصف الانتصار، الهزيمة في الاستسلام
الجاليات الفلسطينية في أوروبا وأولويات المرحلة
مع سريان وقف إطلاق النار في قطاع غزة تدخل حرب الإبادة الصهيونية ضد شعبنا مرحلة جديدة، سيعمل فيها العدو على استكمال تحقيق أهداف العدوان، التي لا تتوقف عند سحق المقاومة المسلحة في القطاع وتجفيف مواردها، بل تهدف إلى القضاء على إمكانية الحياة في القطاع واختزال ساكنيه في احتياجات الغذاء والدواء والمأوى الأولية، تمهيدا لتحويل إخراجهم واستيعابهم إلى قضية إنسانية دولية، والتحول إلى ابتلاع ما تبقى من الضفة الغربية، وتسعى في مآلاتها إلى تفكيك الكيان الجمعي الفلسطيني كله بالقضاء أولا على حامله المركزي، أي فصائل المقاومة، والدفع بمن لم يرحل طوعا من فلسطين إلى العيش في معازل خاضعة تماما للإرادة والاحتياجات الإسرائيلية في كل التفاصيل، في حين تتولى دول الشتات إخراج التجمعات الفلسطينية فيها من نطاق المواجهة وحصر ما تبقى من وجودها المنظم في حالة تضامن في أحسن الأحوال. إن وقف إطلاق النار بصورته الحالية يخلص إسرائيل من عبء الحرب السياسي وتبعاتها في المجتمع الدولي بقبول وقف الحرب شكلا، مع استمرارها في مشروعها مضمونا وممارسة بغطاء سياسي دولي وعربي.
على الجانب الفلسطيني يواجه الفلسطينيون في مختلف أماكن تواجدهم، وهم يدخلون هذه المرحلة، تحديات كبرى سيتطلب التعامل معها إعادة النظر في استراتيجيات وأساليب العمل، وفي الخطاب السياسي الرائج أيضا.
1. فقدان المركز: شكل قطاع غزة، رغم ما عاناه وسكانه، ما يمكن وصفه بعاصمة الحركة الوطنية الفلسطينية و ملاذها، باعتباره منطقة شبه محررة تسيطر عليها فصائل المقاومة المسلحة بحكم الأمر الواقع وبدون توقيع اتفاقيات سياسية أو أمنية مع العدو، بما سمح لكافة القوى الفلسطينية بالنشاط وشكلت مساحة عمل آمنة نسبيا ومركز إنتاج السياسات والخطاب الوطني الفلسطيني وأداة الفعل المقاوم، أي أن القطاع لعقدين من الزمن على الأقل تمكن من إعادة إنتاج غابة البنادق الفلسطينية التي فقدناها بخروج فصائل المقاومة من بيروت، فيما تشير المسارات الحالية انه سيكون لنهاية سلطة المقاومة فيه تبعات مشابهة لتبعات ذلك الخروج.
2. تزداد فداحة هذه الفجوة مع تجريف ما تبقى من مسار أوسلو حيث يقوم الشق الثاني من المشروع الوطني الفلسطيني ومركزه رام الله، وتآكل دور سلطته حتى في صفة شريك الاحتلال الأمني أو المدير المحلي لشؤون التجمعات الفلسطينية في الضفة المحتلة، وارتهانه للمانحين وانحسار خطابه إلى المطالبة الجوفاء بتطبيق الشرعية الدولية. يرافق ذلك سلوك سلطة رام الله الانتقامي تجاه قطاع غزة، غير العابئ لا بالمآلات السياسية ولا بمعاناة أهل القطاع الإنسانية، وجهدها الفاعل لمنع نشوء بدائل وطنية أو حتى إصلاح مؤسسات منظمة التحرير.
3. انكفاء قوى محور المقاومة في دول الطوق (سورية ولبنان) لم يحرم المقاومة الفلسطينية من إمكانيات التعويض عن الخسائر المادية فحسب، بل وأيضا من المظلة السياسية ومساحة الحركة للتعويض عن سقوط المركز. انتقال قيادات المقاومة الى أماكن أبعد عن الأرض المحتلة ودول الطوق (إيران، تركيا) قد يؤدي بالتدريج الى إضعاف قواعدها وتهميشها سياسيا لصالح قوى أخرى أكثر استعدادا للتعاون مع منظومات الإخضاع الآتية.
4. تجريف القانون الدولي على يد إدارة ترمب وانخراط النظام الرسمي العربي السافر في مشروع التطبيع مع العدو وتصفية القضية الوطنية الفلسطينية أمّن لإسرائيل هامش حركة واسع للاستمرار في جرائمها بوتيرة غير مسبوقة.
5. في أوروبا والولايات المتحدة رسخت منظومة قانونية جرمت الفصائل الفلسطينية بوضع الفصائل الفلسطينية على قوائم الإرهاب، وتجاوز أثر هذا التجريم عمل الفصائل العلني والجوانب اللوجستية والمالية ليؤدي إلى إزاحات في الخطاب وأشكال التنظيم وأولويات العمل الفلسطيني لدى الجاليات المقيمة، وانقطاع أفرادها، وخاصة أبناء الجيل الثاني ، عن الحركة الوطنية وتاريخها ورموزها، وارتباطهم بخطاب التضامن الذي أصبح هو المعياري في بعض البلدان ، وهو من يتحكم بالخطاب الفلسطيني العام وليس العكس.
6. حركة الاحتجاج والتضامن العالمية أعادت بعض الحياة إلى البنى المنظمة في الشتات، ونشأت حالة ناشطية واسعة، إلا أن أطر التضامن هي ما ظلت سائدة في معظم الأحوال، في الحشد والتنظيم وكذلك في صناعة الخطاب وتحديد سقف المطالب وأساليب العمل، أما المؤسسات الفلسطينية فظلت تعمل في إطار رد الفعل ولم تتجاوز في معظم الأحوال مشاكلها المتراكمة من فترة ما قبل حرب غزة. الخطر الذي نواجهه الآن هو تراجع حالة التضامن الواسعة قبل أن نتمكن من إعادة بناء المؤسسات وتطوير عملها ورفدها بقواعد جديدة لتكون في مستوى تحديات المرحلة القادمة.
في هذا السياق لا يمكن أن نعتبر اعتراف دول غربية بدولة فلسطينية تعويضا من أي نوع على جرائم الإبادة، أو انتصارا للحق الفلسطيني بعد “انكشاف وجه إسرائيل الحقيقي” أو “صحوة الضمير”، أو ثمرة لصمود الفلسطينيين بل هو استمرار لعملية تجريف القضية الوطنية وتهميشها وتجريم فصائل المقاومة وعملية تجهيز للإطار السياسي الحامل لما سيأتي. إن هذا الاعتراف بدولة، مع انتفاء السيادة على الأرض، وبالشروط التي يضعها أو تضعها على نفسها القيادة الفلسطينية، ما هو إلا حبل نجاة لإنقاذ سلطة رام الله من الإفلاس السياسي التام وإسنادها بانتصار وهمي لأداء دورها المطلوب: أداة لخلق مرجعية فلسطينية لعملية التطبيع العربية مع إسرائيل وتفكيك ما تبقى من بنى الحركة الوطنية الفلسطينية.
بناء على ما سبق، فإن جدل النصر والهزيمة ليس مجدٍ سياسيا، بل هو في معظمه قائم بين أطراف لم تقم بالدور المتوقع منها في هذه المواجهة، ومضمونه الحقيقي إما إنكار الواقع وتجنب المسؤولية، أو تبرير الاستسلام أمام ما هو قادم.
وهنا نصل إلى القسم الثاني من هذا الطرح: ماذا يعني ذلك للتجمعات الفلسطينية في الشتات، ما هي المهمات المطروحة علينا اليوم؟
أولا: التزام ضد الهزيمة
إن المسار السياسي الذي اختارته أطراف المنظومة الاستعمارية المشاركة في حرب الابادة هو تصفية القضية الفلسطينية، أي أنها ستعمل أيضا على تقليص مساحات العمل الجدي الذي يعيق هذا المسار، سواء في القارة الأوروبية او في غيرها من دول العالم.
وحتى إمعان العدو في القتل والإبادة، واستعراضه اليومي لطقوس التنكيل بالغزيين نموذجاً لمصير الفلسطيني حين يتمرد، يهدف أيضا إلى سحق الشخصية التاريخية التي تشكلت حول إرادة القتال لدى الضحية التي نهضت وقاومت بل وحققت بعض الانتصارات على المنظومة الاستعمارية المسلحة، ثم إعادة تشكيل وعينا الجمعي بطريقة تختزل الفلسطيني وتؤبده في موقع الضحية المحض.
إن بقاء كياننا الجمعي مرتهن بالتزامنا تجاه الفعل ذاته، أي مقاومة منظومة الإبادة الاستعمارية والتمرد عليها، وهذا يعني بتصعيد وتوسيع أشكال هذا الالتزام تجاه كل فعل ضمن هذا المسار، وبسردية الحركة الوطنية الفلسطينية باعتبارها عقد الفلسطينيين الاجتماعي، وهذا ما يجب ان يعكسه عملنا هنا في الموقف والخطاب.
ثانيا: كيف نعوض غياب المركز؟
هناك حاجة لخلق بنى مؤسسية قادرة على حمل جزء من الأعباء التي كانت تحملها غزة بصفتها قاعدة العمل الفلسطيني في السنوات الاخيرة (وكذلك ما حملته بعض من مواقع العمل الفلسطيني في دول الطوق) في مجالات الإعلام والإنتاج الكتابي والدعائي وحتى مراكز البحث





